طوفان الأقصى ومواقف الشعوب

منذ احتلال فلسطين عام 1948م، 1367هـ، والشعوب تكتفي أمام عوائق كثيرة بالتأسف، والتمني، والتألم، والتنديد، والدعاء في أرقى الحالات.
إذا كان شعب كل بلد احتضن الثورة ضد مستعمريه بحكم القرب دفعا ودعما وإسنادا، فإن هذا لم يحصل مع فلسطين رغم يقين الكل بأنها بلاد مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وثالث الحرمين.
إن دون ذلك عقبات متعددة، إضافة إلى منع القابضين على البلدان، وغلق الحدود والمعابر.
ولو تأمل الملاحظ والدارس، وتمعَّنَ بهدوءٍ محلِّلٍ متأثرٍ لوجدها متعلقة بشعوب تنوعت وتعددت مواقفها لأسباب هي:
1/الاهتزاز العقدي: إن بعض الشعوب المسلمة تعاني من علل عقدية، تسلط على كل شخص البعد الفردي في تناول الإيمان والتوحيد والعبادة، دون أن يكون لها بُعْدٌ جماعي، نتج عنه عزوف عن الاهتمام العام.
2/ضعف الضمير الإيماني: انتزع من الشعوب المسلمة الإحساس بالآخر، ولو كان أخا في الدين، أنساها الجانب الإيماني المعروف بالرابطة الإسلامية ولو مع الأباعد.
يوجد عند البعض اقتناع إيماني بإسلامية فلسطين، دون بعد ضمائري يشحذ الهمة نحو الأرض المقدسة.
3/البذخ والترف: بلغ البذخ والترف عند بعض الشعوب مؤشرات باعداها عن قضاياها المصيرية، يثاقلانها إلى الأرض عن كل مهمة تمنع الإسراف فيها، وتُعَرِّضُ البدن للجوع والعطش أحيانا، والثوب للإغبرار، أوالزهد فيها إلا بما يحفظ الحياة.
يقف أمام أعين الجماهير قيادات جمعوية وحزبية وسلطوية وتنظيمية كثيرة، تؤجج الخطاب الحماسي الصادق منه والشعبوي، حول الكيان المغتصب واعتداءاته، وواجب تحرير الأرض، وصيانة العرض، منتصبي القامات وراء المكبرات، بأثواب بيضاء ناصعة مطرزة بأزرار لامعة، وجيوب بداخلها أقلام حديثة، ونظارات غالية، وببذلات ديبلوماسية سوداء، تمشي بأحذية براقة باللَّمَّاع تذب أيديها كل غبار، تُتَنَسَّمُ منها روائح العطور من مسافة الألف ميل، تحكي عن التضحية والفداء، وهي تعلم في أعماق القلوب استنكافها عن التضحية بهذه المظاهر الخلابة، مأكلا ومشربا وملبسا، وفي أحسن الأحوال تدفع الدهماء نحو جبهات القتال، لتأتي هي في الأخير تقطع شريط تدشين التحرير بالأوسمة والنياشين، بعدما يكون الأبطال قد ضمتهم لحود الاستشهاد.
4/التنكر للانتماء: ومَرَدُّه شقان، شق شعبي غافل عن انتمائه إلى كل البلاد المسلمة، وانتمائها إليه، وشق آخر يتنكر للأقصى ويحرض ضده، لأنه ليس مَلِكًا أكثر من المَلِكِ.
أكبر المسؤوليات تقع على حكام المسلمين، لتربية الغيض الجهادي في قلوب شعوبهم ضد أهل الفساد من أعداء الأمة والإنسانية كلها، لكنْ، الشعوب لها يد ولو بدرجة تالية في الخذلان، بِعَدَمِ ممارسة بعضها الضغط المتواصل بلهجة شديدة لتنفض السلط المتعلقة بالعدو يدها منه، وتمنع عليه بذلها له.
مع وجود قلة تحترق شوقا إلى التجارة مع الله بالنفس ومما تحب، متمردة ذهنيا على البرمجة الإجرامية الإقعادية المنطلية على الباقي، والانفصالية ضد الأوطان لا ضد العدو، وقد اختفت من المشهد، تنتظر أزمات داخلية في بلاد الإسلام، لتنبري مع من يوظفها، بالمال والدهاء، رافعة لواء الجهاد في غير محله.
إن النصر قادم يقينا، ولو لم نطلع على غيبه، لكن بالتكليف لا بالتشريف، وتمني الصلاة في المسجد الأقصى يمر بجبهات العراك، وبمناصرين يَعْلَجُونَ سيولا جارفة تمخر عباب البحر أعظم من قوارب الموت المهاجرة نحو أوربا، لا بشعوب تنتظر من ينوب عنها، وبمن يُرَنِّمُ إيقاعها على نغم واحد معنويا وتحسرًا، ولا بمجرد الدعاء، والنحيب، والتمايل الابتهالي، والأنين المتفرج على عقيدة تذبحها محرفة ممسوخة، وحق يدحضه باطل، وطائفة تراق دماؤها، وتشوه جثثها، دون إجبار حكام دول الطوق على تخلية السبيل بين المسلمين وعدوهم، فقد كان مسلمو الرعيل الأول يتنافسون على حضور المشاهد إلا من ردَّهُ النبي صلى الله عليه وسلم لمرض، أوصغر، أووَالِدَيْنِ، أوْأَيِّ عذر شرعي، ومع ذلك كان بعضهم يتظاهر بالاستعداد كي لا يُرَدّ.
فالمسجد الأقصى لجميع المسلمين لا للفلسطينيين وحدهم.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم