زكاة الفطر بين الأصل والقيمة


لا أخوض في هذا الموضوع بالتقاذف والتآثم بين مذهبي حرفية الحديث ومعقوليته.
لأن التعاطي معه في رأيي لم يحسمه بينهما.
وفي تقديري تجشموه بروح القول الواحد، رغم عدم الإجماع عليه منذ قرون.
ورأيت كل من طرح وجهة فهمه، أوجهة رأيه، أوتصلب تعصبه المذهبي ولو تبرأ منه كالوقوف عند النص، أوالتعليل، أوالقياس أوالنظرة المقصدية، أصبح في مسلك إثبات المصداقية المذهبية بالأسلحة المتبارية، أكثر من مسلك إظهار الحق أوالصواب.
والأمر تسلل إلى النوايا.
ولا أخفي ظني تعكير أيادي خفية به للصرف عن أمهات قضايا الأمة، لأنه ما حسم لها شأنا، ولا رفع لها قدرا، رغم جلالة العلم به، لقدم الاختلاف.
كل طرف تغافل عما يملكه غيره من الاستدلالات، فأدار له ظهره، وأثمه، وادعى عدم قبول الله لفتواه وعمله، وعلق صيام خصمه وأتباعه، جاهلين التألي والتعالي على صاحب الشريعة في سكرة التناطح والانتصار المتضاد.
وإن كانت الفتوى القديمة بين جماهير علماء المسلمين، فلا حرج أن تستخرج البحوث الجديدة القديمة من الرفوف المصدرية لفتح نوافذ فقهية ترى المسألة بعيون مختلفة، لتقليبها بهدوء علمي، لا تعصب مذهبي، وهذا ما فاجأ القائلين بالقيمة، وأحرجهم استدلالا.
كالإجماع الجماهيري على إبانة المطلقة ثلاثا بينونة كبرى بكلمة واحدة، إلى أن استخرجت البحوث الحكم الأصلي من النصوص.
وكتنصيف شهادة المرأة مع الرجل في كل شيء، إلى أن استخلصت البحوث لها حالات.
فالتعامل العقلي العلمي الهادئ يقود الخصم نحو الفهم المفضل بسلاسة، والنظر إلى المذهب الجديد بانتباه مستفيد.
ومن التقاليد العلمية الفقهية، الجمع بين النصوص، ومفاهيمها، ومعقولياتها، ومقاصدها، وظروف تطبيقاتها زمانا أوأحوالا أوأصولا وفروعا واستثناءات.
ومسألتنا منها حسب ظني، فإما التزام بأصل النص وإلا فبقيمته، ما دام التنفيذ قدرا مقدورا، لأن التوقف المتعصب على شفا حرف، آيل إلى إهمال أحد الطرفين، فإما أداؤها بالأصل، فإن تعسر، أوانعدمت جهات تلقيه، عادت إلى القيمة.
فالتعصب لها إهمال الأصل، والعكس إهمالها.
وأظن ترجيح الانتقال عبر هذا المسلك أفضل وسطية وتخريجا من التخيير بينهما بغير مسوغ علمي فقهي راجح، والتماس عذر الترجيح خير من التخيير، كما يفعل مع ضمان المتلفات استثناء لا بداية عند تعذر الأصل.
والأحكام الشرعية حبلى بتخريجات جامعة للعلم، مانعة للتعصب، مقربة للأطراف، إثراء للحوار العلمي، والتنافع الفقهي.
إنني لا أرى حرجا من الانتباه إلى الإنتاج العلمي المتبادل ولو بالاختلاف لتكون كل همسة علمية من جهة إضافة نافعة لمن لم ينتبه إليها، ولا كمال ولا تنزيه إلا لله.
أدعو:
1/العوام وأنصاف أهل العلم إلى ترك كل المسائل بين أيدي العلماء والفقهاء المشهود لهم بالاجتهاد، مساهمة في تضييق الدائرة لتمكين التقارب بسبب الزاد الأخلاقي والآدابي والورع الذي يفتقده الأقل شأنا منهم، وقد جلبوا بها مزيد تعصب وتفرق وتعر من الآداب والأخلاق، وهزء غيرنا من حالنا.
2/السلطة إلى سن تشريعات قانونية تمنع التهكم في المسائل العلمية وتسفيه الآراء والأفهام المستندة إلى دلائل، وتجريمه، والعقاب عليه، والإلزام بالحد العلمي فقط، لرفع مستوى الحس الأخلاقي الحضاري في هذا الإطار.
3/أئمة المساجد الراغبين في الجمع العلمي الفقهي الاجتماعي إلى استقبال الزكوات في الصناديق من القيمة والإطعام، وتوزيعها بعد التقويم، قيمة وإطعاما، بالتعيين، أوبالقرعة.
4/رافعي لواء طاعة ولي الأمر إلى ترك الازدواجية في ذلك، خاصة وأن مثل هذه المسائل تعود إلى فصله وترجيحه باللجان الوطنية الوزارية العلمية للإفتاء، والتي أدعوها إلى تقليب المسألة لضمان الجمع بها، خير من الانتصار الواحد ليشعر الكل العلمي بمنزلته المساهمة.
وأشير إلى توقع مشكلات فردية واجتماعية في طريق التدرج نحو العودة إلى تفعيل حرفية النص إن تم الاقتناع به، كاستنكاف بعض المحتاجين المؤهلين لها، أوكثير منهم استلام المطعومات بسبب التعود على النقود، والاستعداد لاستنباط حلول شرعية، لأن المفوضين كالمساجد يستلمون أمانات المزكين نقدا وطعاما، الذين برئت ذممهم بوضعها في الصناديق الموثوقة، وتتحول إلى ودائع واجبة الأداء، قد يتعسر بهذه المشكلة.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم