طوفان الأقصى والنصر المتدرج

الصراع بين الحق والباطل، أبديٌّ إلى قيام الساعة، يتعاقب استقواءً واستضعافًا، حرصًا وتفريطًا، كلما خفَّت كفة ميزان رجحت الثانية.
نقصد بالاقتصار هنا الاحتدام بين الإيمان والكفر، كل معسكر يحمل قِيَمًا يُمَكِّنُ لها ويدافع عنها.
شهد السلفُ ونحن أرَّخْنَا، واليوم نشهدُ والخلف يُؤَرِّخُ، نصارع الكيان المغروس في مقدساتنا، ولعلنا في مرحلة قوله تعالى {ثم رددنا لكم الكرة عليهم}، وإذا قبلنا بأن الذين يجاهدونه قال الله عنهم {فإذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد}، فإنه طريق للنصر، وعلى مسافة يعلمها الله، {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب}، لأننا في حرب بين عقيدتين مختلفتين، إحداهما قرآنية، وثانيتهما توراتية، فحرب الفرس والروم، أوصفين، ليستا كحرب الكفر للإسلام، المستوجبة شروطًا واقعية، ومواصفات مستمدة من الوحي، كمنطلقات عقدية، ومرتكزات قيمية.
خاض النبي صلى الله عليه وسلم حروبَ جماعاتٍ، ومناوشاتِ سرايَا، في طريق التمكين، ومناسبة الحديبية أوضح مثال حَمِيَ له إيمان عمر، فقال له أبوبكر ثم النبي صلى الله عليه وسلم أَوَعَدَكَ ربُّك أن تدخل المسجد الحرام هذا العام؟ فعلم أن {لتدخلن المسجد الحرام} لا يتحقق بالضرورة في يوم التحرك إليه.
لقد تَجَشَّمَ المسلمون تحت القيادة النبوية، وتأييد الوحي، غزوات بذلوا فيها أرواحًا وعتادًا، كما نالوا، ورغم دعائه صلى الله عليه وسلم قبيل موقعة الفرقان {اللهم إن تهزم هذه الطائفة فلن تعبد في الأرض}، لكنها لم تكن محطة الفتح النهائي، ليبين الله للمسلمين خط السير الواجب، لئلا تلحقهم الانتكاسة مثلما حدث الخُلْفُ في أحد، لولا أن هُزِمَ الكفار بعدها بالرعب، وشدة التوكل على الله {فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}.
النصر المتدرج سنة ربانية كونية، أنفع ما فيها التمحيص، قد يكون منه القضاء على العملاء المخبرين قبل طوفان الأقصى، لذلك تعسر على العدو هذه المرة تتبع قيادات حماس.
وترقبه في غير وقته أشد من إحرازه، لأن نتائجه:
1/تشاؤم طائفة مسلمة، خاصة بتوالي الهزائم لفقد شروطٍ يجهلها الكثير ولا يزنون بها الأحداث، فتصدمهم العثرات المرحلية، ويفقدون الأمل في الخروج من الصَّغَارِ، وكأن الدنيا ستنتهي على هذا الوضع، ومن نتائجه الوخيمة:
أ/الإحباط المعنوي.
ب/التسليم بوهم سيطرة غيرنا على العالم، خاصة بالتطور التكنولوجي الرهيب، الذي نقابله عندنا بضعف واضح، وقد يصحُّ قولنا، إن حكامنا مشاركون في هذه النفسية الهزيلة بما يُشَاهَدُ من علاقاتهم المستكينة بالغرب، أما الغيورون غير المتشائمين فلن يكونوا أحسن منهم، ولو بالبكاء على أطلال متيقنين رفعها يوما.
أخطأ صدام حسين رحمه الله بإهانته قوة العدو، إلا أن كل المسلمين رَجَوْا انتصاره على أمريكا أوعدم تدميره على الأقل، فبكى بعضهم بعد أول قصف، للجهل بضرورة التدرج نحو النصر.
ج/هرولة ضعفاء النفوس نحو التطبيع.
د/تحويل المعركة إلى حرب، والقفز على الشروط الضرورية، وتخطي حتميتها، والغفلة عن تقييم المراحل، وتأجيل استنهاضات حضارية.
فالمطالبات بوقف القتال، والشعور بخذلان المتجانسين، دليل على اضطراب ضمائريٍّ أصاب البعض.
2/تشفي غيرنا، واغتنام الانكسار لإثارة الشبه حول الإسلام والوحي وعدالة دعوتنا وتاريخنا وقيمنا، تحت غطاء الحداثة والتنوير، يبتغي مزيدَ اندحارٍ، بحقد دفين ينفجر من بواطن القلوب المعادية، مع تعميق المخابرات الغربية هوة الحطام النفسي لتمديد هيمنتها.
على المسلمين الاقتناع بمرحلية طوفان الأقصى، لا بمآلِه إلى نصر نهائي، لكي ننجو من التشاؤم الذاتي والتشفي العدائي، القاضيين على معاني الجهاد واستئنافه، والتعاون عليه.
فليُرْفَعْ الضَّجَرُ بقوةِ شخصيةِ المسلم المجاهد والقاعد، لأن التحضير النفسي المريح خير من الإيهام المتعب.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم