طوفان الأقصى وصورة الجهاد


قلبت تأثيرات طوفان الأقصى موازين، وصححت معايير، وراجعت أوراقا، وبَيَّضَتْ نظرة العالم السياسي والاجتماعي للجهاد، الذي كان يُرْسَمُ للأذهان بأبشع اللوحات اللامزة للمسلمين، والغرب يستغبي ليُنْسي ممارسات الفظاعة في أقبية الأنظمة ضد الشعوب والمعارضين، والإبادات الشعبية بدون مشاعر، يُجمع لها البشر في ساحات يخرق الرصاص أجسادَهم لاستخلافهم بِشَرَاذِمَ، وتغيير موازين القوى لفرض وعاء حسابي متغلبٍ، محتاطٍ للإحصائيات الدولية والأممية، وإجبار الناجين على الخضوع لهيمنة الاحتلال.
نحتت الميليشيات الإرهابية صورا بشعة عن الجهاد بهتانا، وامتهنتها في ديار المسلمين عموما وإفريقيا خصوصا بصياغة غربية، ليحفظ مصالحه بها، معطلا كل جهود الإصلاح والتحرر.
سفحَ الجهادُ المنسوخ غربيا، وباسم الإسلام، دماء تنطق بالشهادة، وعذَّب الأسرى، واغتصب مسلمات بسبي حرام.
اختلف ضحاياه حسب تباين وسائل النجاة، وأَجْبَرَتْ القوى الكبرى بهذه القطعان الشعوبَ على اختيار أوضاع مزرية عوض الموت، نجاةً من المذابح.
صورٌ مُرَوِّعةٌ حَوَّلَتْ التلفظ بالجهاد بُعْبُعًا نهاريًا، وهاجسا ليليا، فَفُرِضَ آليا على الدول المسلمة حذف موضوعه من الدراسات الفقهية الجامعية وما دونها، بضغط غربي لمنع إبراز حقيقته من المصادر العلمية، ليبقى حاجزا نفسيا لكل من يسمع أويقرأ عنه.
للحروب أخلاق تُضَيِّق دائرة الصراع لصيانة إمكان التصالح، لذلك استطاع المقاومون الفلسطينيون تجسيدها في قتال الاحتلال، جاهرين باسمه الحقيقي "الجهاد" للتجلد بالشجاعة ضد العدو، والظفر بالنصر الموعود، وتحقيق الأهداف المرحلية قبل التحرير الشامل للأرض.
وَخَزُوا عقول ملايين البشر واقتلعوا الضبابيات المغشية حقيقة الجهاد وآداب الحروب، التي يدوسها المحتلُّ بِصَبِّ غضبه وخُواره، على المدنيين العُزَّلِ، عوض مواجهة المسلحين فقط، فشَاهَدَ العالم تجميع المدنيين حفاةً عراةً في الفلوات، وتعذيبهم ثم قتلهم.
سَوَّقُوا صورة الجهاد وآدابه، استحضارا للعقيدة لا تغييبا لها، وصانوا كرامة المحتجزين، وداعبوا أطفالهم، ووفروا الإطعام والعلاج، وتعففوا عن الأسيرات، وتبادلوا توديعهم، وخلَّوْا سبيل الجرحى والقتلى بلا إجهاز عليهم ولا تمثيل بالجثث كما يمنعه التشريع الإسلامي تماما، فأحرجت شهادات المسرحين منهم الاحتلال والأنظمة المعادية.
دافعوا عن غزة في إطار صورة لا تحتمل تأويلا، والتزموا مواجهة العسكري فقط، في صورة إنسانية تعكس لزوم حدود الإسلام في التعامل الحربي، لم يتحلَّ بها غير المسلمين أبدا، تعبيرًا واضحًا عن استثنائية الجهاد لا قاعديته المطردة.
عكس اعتداءات الاحتلال على المستشفيات، ومحاكم التفتيش في الأندلس، وإبادة مسلمي يوغوسلافيا، وبورما، وميانمار، وبؤر التوتر، والمسلمين المتحاربين دون موازاة أخلاقية.
استفزَّتْ السلوكات الحربية المسؤولة عقول غربيين، ومسلمين غافلين، لاقتناء مصادر وصف الإسلام، لمعرفة عقيدته وتشريعه، عمل الفكر الغربي وإعلامه على إخفائه، وطمس معالمه أمام التطلع الشعبي العالمي، بحرص السلط الحاكمة التابعة للكيان أوالغاضَّة عنه.
أدعو الأنظمة الحاكمة في بلاد الإسلام إلى:
1/هجران التوجس من التغولُّ الغربي، والاعتزاز بالجهاد، لأنه من مقومات حراسة الدين، وسياسة الدنيا.
2/فتح مجال تدريس موضوع الجهاد وآداب التحارب من مصادره الفقهية الأصلية الموثوقة لتحقيق ما يلي:
أ/تحصين المسلمين من عمليات التشويه المستمرة غربيا.
ب/تعميم العلوم عوض حصرها على بعضها لئلا يقصر تأثيرها التطبيقي والأخلاقي.
ج/توسيع النظرة الحقيقية الصحيحة الصالحة عن الجهاد وآداب الحروب المقتصرة الآن على حائزيها من أهل العلم فقط.
د/تكريس التزام المتحاربين المسلمين وغيرهم بها، لافتكاك ما يلي:
+/تجنب ما أمكن من إهدار الدماء والأموال والممتلكات والدمار.
+/اغتنام هوامش الإصلاح الذي يقترب كلما قلت آثار الاحتراب، والعكس صحيح.
وأدعو الأمة إلى الاستفادة من المحطات التراتبية والتدريجية التاريخية، فإن لم تصقلها لتصحيح مساراتها، أولتطويرها، أولتحديثها، فلا نصيبَ لها بين الكبار لتنافس على البقاء في سباق الحضارات.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم