خذلان الأقصى واستفزاز التطرف

المتابع لتطورات طوفان الأقصى، يرقب التعدد المواقفي الإسلامي تجاهه، حكومات ساكتة، على اعتبار المسألة داخلية، وأخرى تواطىء الاحتلال، وبعضها تبادله التعامل التجاري والاقتصادي، رغم الإبادة الإجرامية الجزافية، وغيرها تخشى انتقامه منها إن نطقت بالتأييد أوفَعَّلَتْ النصر الميداني بالسلاح، والغذاء، والدواء، والكساء، ومن تمتهن تلميع صورتها كلاميا فقط لكسب مصداقيات إضافية على حساب سذاجة الشعوب.
والضحية آمال الشعوب في ردِّ العدوان، أوالترخيص لها بالزحف الجماعي لتكثير سواد المسلمين، ورصِّ صفوفها، تُغَازَلُ بالخطابات المُخَدِّرَةِ، لإطالة عمر سكرتها والدم الفلسطيني يُسْفَح، فاكتفت السلط الحاكمة بالتوسل للمجالس الدولية، ودعاء المجامع الفقهية، أطبقتْ غَفْلَةٌ عليها عن اقتراب استيقاظ الضمير الإيماني الشعبي النائم.
وليته يكون استيقاظا بلا ارتجاج، لكنه قد يكون بحميَّةٍ غير مضبوطة، ولا مسيطر عليها، وتطرفٍ ناتج عن الغضب القومي والديني والإنساني على إخوان تنزف دماؤهم بلا حدود، يأتي على اللَّيِّنِ واليابس.
إن المعالجات المختلفة لكثير من النوازل تفرض الهدوء النفسي والذهني والفكري والأخلاقي، وترفض التهور والتطرف والاندفاع غير المدروس الذي قد يصيب الأهل قبل الأعداء، فيهلكون بالنيران الصديقة، في زحف السَّيْلِ، لكن لا ينبغي الوثوق بالعاطفة الجياشة المخنوقة بالمناورات الكثيرة لتفكيك قنابلها الاجتماعية.
إن التطرف منبوذ، لأنه تشويش على التخطيط إن وجد، وبلدان كثيرة نال منها، وأودى بالأنفس والأموال والاقتصاديات والعمران.
مجرب التطرف بنفسه، أومتابعاته، ومآلاته لا يستطيع تصوره ولا قبوله حاضرا ومستقبلا.
لكن واجب الوقت يفرض الحذر منه، إلا إذا أريد توظيفه في جرائم لا تُيَسَّرُ لها السبل مع الثبات والهدوء، فتجد في التطرف ذاتيًا وصناعيًا خدمة لأهدافها.
ويفرض توظيف العاطفة الأخوية الفياضة نحو المستضعفين الفلسطينيين عموما والغزاويين خصوصا، لردع الإبادة الإجرامية وفتح المعابر لمشاركة كل مسلم أراد الانضمام إلى قهر الاحتلال.
ويَرْفُضُ الاعتماد على سهوة الغثائية، لأن كل شيء في الكون زائل، فإن لم تستخدم ذخائرها وسلاحها، ووسائل الاتصال والنقل في الإطار المنظم لردع المحتل، فلن تأمن انقشاع سرمدية الغثاء، ولا فضّ الركام عن الضمائر.
إن قعودها لاعتبارات تراعيها، يستفز تطرفا تُجهلُ عواقبه، قد تحدث حطامًا وتنثر شظاياه التالية:
1/التكفير: عانت الأمة الإسلامية من التكفير والتكفيريين عقودا، قسمتها، وفتنتها، وقد ينتقل من الانتصار لتطبيق الشريعة إلى الانتصار لفلسطين، بنظرية أنت معي أوعدوي، وحينها لا يُسمع لمحاولات إخماد فتنه.
2/الإحباط: أوضاع شعوبنا منهارة، واستمرار السلط الحاكمة في الاكتفاء بالدعاء والتنديد فقط، يقتل معنوياتها، وعلاقات شعوبها بها، في مجالات كالاقتصاد، والتنمية.
3/الانفلات: تشهد نهايات الأسابيع اصطفاف الشعوب الغربية للضغط على حكوماتها وثنيها عن مساعدة الاحتلال، وتهديدها في مصائرها الانتخابية.
أما عربيًا فالمظاهرات المؤيدة مترنحة، خشية انحرافها، لكن لا ينبغي الاطمئنان للاستكانة الشعبية، فلا ندري وقت انفلات القيود بتدفق مفاجئ لا يُتَحَكَّمُ في مساراته.
خذلان الأقصى سيلد تطرفًا ينفجر بغير عواقب محسوبة، قبل قطع المسافة إليه، لأن حجم الكظم بلغ ذروة لا تحتمِل تباطؤًا إضافيا، وقتل النقراشي باشا رئيس وزراء الملك فاروق لذات السبب ماثل للعيان.
للجهاد راية الإمام، لكن لا حَيْرَةَ إن تمردت كتائب تزحف نحو فلسطين لأن الإمام أبطأ المسير، فانفلتت من عصرة قبضته.
إن نهاية الحرب على غزة ولو بخسارة العدو أوانسحابه، إن لم ندَّعِ النصر، ستتلوها التبريكات بعد تقاعس، لكن الوقت لم يغلق مصراعيه لهزم العدو، كمقاطعة المنتوج الغربي والأمريكي بالخصوص، وتوقف المُطبِّعين عن التعامل التجاري معه، والتهديد ولو برصِّ صفوف الجيوش على الحدود، وكل ما يذعره لينسحب، في طريق التحرير، والوصول المتأخر أفضل من الغياب.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم