طوفان الأقصى والفرصة الذهبية

يهرع غالب علية القوم إلى اغتنام أحداثٍ لاستجلاب إعجاب الشعوب، وتسلق أكتافهم في فضاء النجومية، لأغراض دينية أوذاتية أوقومية أواجتماعية قبلية وعشائرية وأسرية، كسنة ربانية كونية تنطلي على الحكم، لأن الأرض والعرض والمال والاقتصاد والتنمية والحماية والثغور وكل مقومات الأمة للشعوب لا للحاكم الفرد ولا لعشيرته ومقربيه.
حين سُيِّرَتْ دواليب الحكم على استقامة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد استرضاء الله، يسترضي الأمة في الإطار الرباني التشريعي، ويقول: "ألا هل بلغت؟" ويجاب: "بلى"، وخلفاؤه يسألون الإعانة ما أطاعوا الله، والتقويم ما انحرفوا، مع حِلِّهِمْ منهم إذ ذاك.
وفي المقابل لم يخطر على بال مسلم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه الراشدين، بل خلَّفت وفياتهم طابع الحزن على ما يذهب أوينقص من العدل والمساواة والكرامة.
بعد مقتل علي رضي الله عنه، قال معاوية رضي الله عنه: إنكم لا تدرون ما ذهب من العلم والفقه بموت علي.
إن قوة العلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه مع رعاياهم كرست معاني الحب الروحي المتبادل، الحاكم يبغي مصلحة الأمة، لا لنفسه، يشاورها خارج النصوص القطعية، وهي ترفع شأنه، وتحفظ عرضه، وتصون كرامته، وتشير عليه، بأفرادها أوبِممثليها قصد المنفعة العامَّة لا الخاصة، فيحدث التلاحم بينهما، وينبسط الهدوء والثقة والاطمئنان، ويزول التهارش والتناوش والهرج والمرج، وتسير الأمور وفق نواميس ربانية كونية هادية.
وإذا تسلط الحاكم ببطانة السوء، وحاشية الفساد، وحرص على مصلحته دونها، ترتفع الثقة والاطمئنان، وتنتشر الفوضى المطلبية، ويتهارش الناس ويتناوشون ويتهارجون ويتمارجون، ويبتعدون عن نواميس الله الكونية.
كثيرٌ من حكام الأمة ابتعدوا عن صلبها، وانعزلوا عنها شعوريا، لكن قد يبتلينا الله بمحطات حياتية، ترفع وتخفض، إن عرف الحاكم كيف ينتهزها، لتحتضنه أمته معززا مكرما، ولو بسابق فساده، لأن العفو عما سلف يستحقه من تاب وآمن وعمل صالحا، والوصول المتأخر خير من الغياب، والانتظار الحسن خير من السبق السيء، والوقوف في آخر الصف الصالح، أفضل من مقدمته الفاسدة.
لا يخفى على أحقر فرد منا فساد كثير من حكامنا المعاصرين، بما اقترفوه مع الأعداء المحتلين، لكن طوفان الأقصى محطة مهمة لمن تمسك ببصيص العودة إلى الحضن والالتفاف الشعبي، ولرفع وصايته على الرعية بغير حق إنساني ولا نص تشريعي.
إن طوفان الأقصى فرصة ذهبية، لمن أراد أن يُهْتَفَ باسمه عاليا ويرفع على أكتاف التقدير والامتنان، ولكل خادم لأمته أراد محو سيئاته، فَرِضاها من رضا الله تعالى، وللنظر إلى العدو ومسانديه من الغرب والشرق بالعدسة الحقيقية، بعدما صمدت ضده كتائب قتالية لا تملك أدنى مواصفات ومقومات الجيوش الحديثة المحترفة، ما يدل على أنه مجرد بعبع كعجز نخلة خاوية، كان له خوار يخيف بصوته.
أدعو حكامنا بالصدق والإخلاص والوفاء إلى حسن استغلال الفرصة ولا يَغُرَّنَّهُمْ:
1/وعود الحلفاء بمزيد امتيازات على حساب أمتهم، فإن ما عندها خير وأبقى منهم.
2/تهديدهم بكشف فضائحهم خاصة المتعلقة بالفساد المالي والجنسي، فإن الأمة مستعدة لمظاهرة ذلك، نكاية في الأعداء، للتعصيب حول ملوكها وسلاطينها وأمرائها ورؤسائها إن أمسكوا بحبل الله جيدا في هذه الفرصة.
3/إدخال الاعتياد على يوميات الحرب، للإشغال عن الواجب.
4/دجل العدو إعلاميا لستر هزائمه الميدانية وترامي جثث عساكره وجرحاه.
ولا يُخَوِّفَنَّهُمْ توجسُ انتقام الأمة، لأن العهد الجديد النقي بشروطه يَجُبُّ ما قبله، وليس مسؤولا عنه.
فليغتنموا الفرصة الذهبية ليغيضوا الكفار، ولينتظروا الجموع الجماهيرية تخرج وتصطف هتافا بمجدهم، وإذا توفاهم الله تزاحموا على جنائزهم.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم