الأحقاد الكامنة


المتابع لعدوان الاحتلال المدعوم غربيا على غزة، يعلم عدَّه التنازلي الانهزامي، خاصة من خلال التصريحات الديبلوماسية ومواقفها التي توجهها أمريكا بقوة، من الدفع نحو الإبادة الإنسانية، إلى الاعتراف الضمني أحيانا، والصريح أحيانا، بتلاشي الأهداف المرسومة، وبالغلبة العسكرية البرية لمجاهدي القسام وسرايا القدس، إلى مناورات قياس صلاحية السكنات للعودة إليها، وإرسال قوة عربية تنفذ مخططات غيرها، إلى سقوط ذلك في الماء، فَانفجار الحقد الغربي الدفين.
يقول بايدن بحقد:"لن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط إلا إذا اعترفت كل الدول العربية بإسرائيل كدولة مستقلة يهودية".
عندما كان يحمي أسلافُنا بيضة الإسلام وأعراض المسلمين، مع التبشير بدين الرحمة والإنسانية والعدل وتوحيد العبادة بالتوازي، لم يجرؤ أحد المجاورين على مثل هذه التصريحات، وإذا حدث فيسرع نحو الاعتذار قبل أن يأتيه جيش أوله عنده وآخره في ديار المسلمين.
لكن لما غابت الرجولة، وهان الدم، وانبسطت الساحة لغيرنا، أصبحنا نقرأ ونسمع هذا الكلام الحامل لدلالات نفسية خطيرة.
إن هذا التصريح المهين الذي لم يعترضه أحد، يحمل سموما شديدة، تتمثل فيما يلي:
1/الوصاية الأجنبية على أمتنا متواصلة، رغم اندحار عساكر الاستعمار القديم عن المسلمين منذ قرن، لسان حاله:"لستم أهلا لتسيير شؤونكم، فالحجْرُ الغربيُّ قائم على نواصيكم، يمنع استقلالكم الذاتي، خاصة في الغذاء، والدواء، والسلاح".
2/الحرص على دوام اضطراب منطقة الشرق الإسلامي [يدعونه الشرق الأوسط] ومنع استقراره، فلا استقلال للمسلمين بشؤونهم، ولا ثبات أمن، ولا حرية ذاتية، ولا خطر على مصالح الغرب الغبي، الذي يفضل الابتزاز المستفز للضمير القومي ولو بعد حين، على التعاون في الأطر المختلفة كشراكات اقتصادية تقاسمية تضمن الربح للكل.
3/الاعتراف بعدم استقلال دولة الكيان لحد الساعة، وهذا إقرار بعدم حقه في فلسطين، وأنه غُرس لخدمة الغرب للاغتنام من تواجده، ولحشره في منطقة بعيدة بعدما تسبب كعنصر دخيل مشاكس في اضطراب مكونات المجتمعات الأوربية بالخصوص، رغم تفضيل مُتَدَيِّنِيهِ الشتات.
4/الازدواجية الغربية تمنح دينية الدولة للموالين، وتجرِّمها للمسلمين، لعلمها بالتأثير الديني، وهذا يوجه إلى:
أ=المُغَرَّرِينَ بالمناهج الغربية في التعامل مع حيويات مختلفة، والإصرار على تبنيها وتفعيلها، وسببه:
+الغفلة عما يباح عندهم، ويمنع عندنا.
+أوقلة وعي بمسائل التدافع الاجتماعي، والنهوض الحضاري الخاص بكل أمة.
+أوالموافقة التامة، الدالة على العمق التغريبي.
ب=الأنظمة المسلمة والعربية الموقنة من التحدي الغربي المفضوح لها ولشعوبها، وفرض منطقه الديني والسياسي على العالم، في تعامله النفاقي.
إن الشعوب وأنظمتها مدعوون إلى:
-اليقظة من الاغترار بالغرب بعد الانتباه إلى مناوراته، في أحقاد مُضْمَرَةٍ.
-العودة إلى الاعتزاز بعقيدتها، والأصول التاريخية لها ولشعوبها، بعد افتضاح التعامل المزدوج، وطفرة وجود العدو كَسُمٍّ غير صالح في أرضنا، ومراجعة الدساتير والتشريعات والتنظيمات.
لا أدعو أنظمتنا إلى الاحتجاج على مثل هذا التصريح الحاقد لأنه لا يغير عمقه، وإنما إلى تفكير بعضها في التراجع عن التطبيع، وإلغاء التفاوض حوله، لأن ما صدر ليس زلة لسان، وإنما هو الحقيقة العميقة، القاضية بتسيّد دين المحتل على حساب الإسلام.
أدعوها بكل أخوة وحرص صادق وشعوبَنا المسلمةَ عربيَّها وأعجميَّها، إلى الالتفاف الذاتي، وإعداد كل وسائل الاستقلال عن الوصايات الأجنبية الرهيبة المعادية، [وليست الخادمة] لأجل التحرر، لئلا تطمع مرة أخرى في النظر الدوني إلينا، المتعالي علينا، المسيطر على خيراتنا ومقدراتنا، بحجة المرافقة المنافقة.
إننا إن مكنَّا الغرب من توسيع جغرافيا الكيان، وتثبيت أركان الاحتلال، وامتصاص بواطن أراضينا، وتحقيق الاعتراف بدولة دينية [لم يقتنع بها لحد الآن]، فإنَّ [أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ] ستكون رأي عين.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم