القضايا العادلة بين الهمة والخذلان


"حماس دراسات في الفكر والاستراتيجية" كتاب للدكتور محمد محسن صالح، تكرر فيه إصرار حماس على ثوابتها، كعدم الاعتراف بالكيان المحتل، وكل نتائجه، منذ ترسيمها سنة 1987م، تطور إلى مقاومته، رغم الضغوط الدولية العدوة والصديقة لقبول أنصاف الحلول وشرعنة الاحتلال، فذكرني بالتاريخ المحاكي لبعض سنن الله في مصير القضايا العادلة بين التشبث والإهمال.
القضايا العادلة شرعا وعقلا وإنسانية، تسحق الظلم، وتنتصر، ويؤيدها القضاء الكوني، بإيمان يصنعه علم قطعي بحقيقتها لا وهمِيَّتِها، كالسائر في طريق مظلمة، أومغشاة بضباب يحجب الرؤية، لكنه يعلم نقطة الوصول باختراق الظلمة أوالغيوم، لأن التجليات الضوئية المرحلية تنير حتميته.
الإصرار عليها يُذهب وهم الهزيمة كلما قطعت الأمة أشواطًا، لأن منازل السير تنبىء باقتراب الفرج.
أنصارها لا تهزمهم بعض الوخزات في سبيل دفع صائل الباطل، ولا يتسرب إليهم الشك.
لا تسيلُ لعابَهم وعود الظالمين ولو رعتها جميع الأمم، لأن نتاج الظلم ظلم، ولا صدق لوعده، كاتفاقيات أوسلو التي صممت لصالح الكيان بنسبة 78% من أراضينا، مقابل فتات مقسم، وأوهام سلام يخترق بالاعتداءات المتكررة.
تُسترخص لها الدماء، وتُهدر لها الروح، ويُزهق لها الوقت، وتُنغص لها الدعة، ويُنفق لها المال، ويُطرد لها العجز، ويَنهض لها القلم، ويقوم لها التوكل، وينتصب لها الجهاد، وتتوق لها الشهادة، رغم عسر المصاحبة، ووعورة الدروب، ولا منجى لضعيف الإيمان بقضيته من سوء المنقلب.
منطقها "لابد لليل أن ينجلي، وللفجر أن ينقشع" فيجلب التقدير والاحترام العالمي، ثم حتمية التدافع، ثم الاعتراف، ثم التفاوض، خاصة إن لم يعترِهِ تنازلٌ.
والتردد في الدفاع عنها، أوالتسليم لجبروت الباطل فلهوان أصحابها لا لقوة أعدائها، ولِوَهْمٍ يلقي هاجسا يقذف في قلوب المترددين الإدبار عوض الإقبال، بلسان حال "لا جلاء لليل، ولا طلوع للفجر".
لا يكفيها النصر إن لم يصحبه عزمٌ على صونها، فقد تهاونت دول بعد الخلافة الراشدة فنخر الانقسام جسد الأمة.
لكن لا نريد من الأمة وهي تتعامل معها النفخَ العاطفي في رماد الجهل بالوسائل والأساليب، كي لا يُذَرَّ على أعينها بانتكاسات قاتلة، لأن حسم معاركها يستدعي إعدادا متواصلا ومتدرجا ومتطور المستويات.
صراع الحق مع الباطل مستمر، لكن انتصاره الذاتي يسنده الإنسان المؤمن به، والمستبسل له.
إن وَجَدَ الباطل من يطغى لغرسه مقابل هَوَانِ المُحِقِّ، فقد يُعَمِّرُ إن لم يخلد.
ضرب الأنبياء والرسل والمصلحون أمثلة الثبات في الدفاع عن القضايا العادلة، لم يثنهم تخويف ولا ضغط ولا إغراء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أصَرَّ على طريق التمكين للإسلام رغم الإغراء بأكبر غنى يضع الشمس في يمينه والقمر في يساره.
آمن شعب جنوب إفريقيا بعدالة قضيته فألحَّ على النضال بمختلف الأثمان والوسائل والأساليب، وكان له مراده في الأخير، لعدم التوقف عنها أورهنِها.
وثبات الحمساويين على عدالة قضية فلسطين تدرَّج بهم نحو كسر شوكة المغتصب، وفضح هاجس الجيش الذي لا يقهر، وبينت بطولاتهم أن المكمن في الشكيمة المستقلة، لا في القيادة الأمريكية الغربية، واستعصت غزة على الغزاة، بينما أورث خذلان فتح في الضفة الغربية هوانًا جعلها مرتعا للعدو رغم مسرحية الحكم الذاتي.
والأندلس الإسلامية أرضنا، ولا سند يشرعن استيلاء الإسبان عليها، لكن التلكؤ عنها أذهب عدالة قضيتها، وصبغ على مغتصبيها الطبيعة الأهلية.
إن ذلك لن يتأتى إلا بوعي جمعي تتعاضد فيه السلط والشعوب في تلاحم شرعي، عكس الانقسام الفلسطيني بين سلطة محمية دوليا، وأخرى شرعية شعبية داخليا.
إن الأمة الإسلامية مدعوة إلى توديع السبات، لشق عباب الظلم لتستقل في غذائها ودوائها وسلاحها، وتسهم في تحرير الأرض وحماية العرض، وسيادة الأستاذية الكونية العالمية.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم