حقيقة جهاد السنن


قَسَّمَ طوفان الأقصى الناس إلى مؤازرٍ، وتاركٍ لله الأمر، ومبررٍ للقعود بالخذلان والتخطئة والتبديع في العقيدة والسنن.
نادى أحد المعتوهين أبا عبيدة بضرورة جهاد السنن عوض جهاد السلاح، حاجبا عقله عن المدير الحقيقي للحدث، ظانا حسن الصناعة.
جهلاً منه أنَّ قَصْرَ السنة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أوفعل أوإقرار، كتجزيء فقط خطأٌ في حق كليات الإسلام.
سنن الإسلام كليات وجزئيات، قواعد وفروع، وظنُّها مجردَ الأعمال والأقوال الفرعية الفقهية وهمٌ، يهمل جانبًا مهمًا منها وهي السنن الربانية في الكون المقررة في الوحيين، كقواعد كلية تحوي فرعياتٍ تكشفها سلوكيات كثيرة.
سنن النبي صلى الله عليه وسلم أعمال مقدسة، بأحكامها المختلفة حلالا وحراما، ثوابها عظيم جدًا، يرتفع مقامُ مُجَدِّدِهَا، لكنَّ مردَّها إلى السنن الربانية في الكون، لأنها تشريع رباني، والقرآن الكريم عَلَّمَنَا طريقةَ تشرِيعِهِ بالقواعد الصالحة لكل زمان ومكان، ينتظم فيها كل فرع غير منصوص.
السنن الفرعية سلوكاتٌ مأجورةٌ، والسنن الربانية أطر حضارية حياتية بنائية استخلافية (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا، وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)55/النور.
الحريص على السنن الفرعية وهو مأجور، دون ضمِّ كل واحدة إلى سنتها الربانية جاهل بالقيم والقواعد الكلية الحضارية.
والمتحدث عنها على أريكة وفيرة، أوكرسيِّ درسٍ، أومنبر خطبة، مهينًا بالصخب الصوتي مرابطين على الثغور، يسلمون أرواحهم على طبقِ سبيلِ الله لتحرير الأرض، وحمايةِ العرض، يستحق تَحِيَّةً بالرِّجْلِ قبالة وجهه.
ترتيب الأولويات، واسترداد الأرض بالقوة السلطوية، أواليدوية، والصراع الأبدي بين الحق والباطل، والابتلاء والتمحيص، وانتصار القتال بالعقيدة على القتال بدونها، وعزة العدل بالتدرج، وخراب الظلم بالتقهقر، ورفع الله الوضيع بحقه، ووضع الرفيع بحقه، وتفويض التغيير للإنسان، والحرية وثمنها، وحتمية المفاسد المرجوحة في طريق المنافع الراجحة، والتدافع الإنساني، والتعاقبات البشرية بأسبابها، والدورات الكونية بشروطها، وغيرها، سنن ربانية، مَجْلَبَةٌ للتمكين والنصر، لمن عمل بها ولو كان كافرا، وللهوان والذل لمن تركها ولو كان مسلما، فالله ينصر العادل ويرزق العامل ولو كان كافرا، على الظالم والكسول ولو كان مسلما.
سنن ماضية، تحتضن الثابتين عليها، وتطرح المنحرفين عنها في هامش الحياة(وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)62/الأحزاب.
مُحْكَمَةٌ غيرُ قابلة للتفسير والتأويل والنسخ، حُسْنُ فَهْمِهَا تَفَكُّرٌ وتدبرٌ لسير الكون وتقلباته المتتالية.
تجلب الهدوء العقلي الدائم مع أقدار الله، لأنها حتميات قاعدية، لا مناص من اعتبار التفاعلات البشرية التفصيلية اليومية إيجابا أوسلبا نتاجًا مُسَبَّبًا عن السير في خطها أوالانحراف عنه.
تُتَّخَذُ مصابيحَ تُتَّبَعُ أنوارُها لتشق اللأواء الاجتماعي.
ضوابط تستنهض همم الأقوياء، وتحمي من التحيز إلى خمول الضعفاء.
نواميس تَشِّعُ في قلوب وأذهان مستوعبيها، ومعين آليٌّ على وضع السنن الفرعية في قوالبها الصحيحة، وتأمين لها، وللدولة، والحضارة، والإنسانية.
العمل على تثبيتها في القناعات هو الجهاد المضني الذي قلَّ خائضوه من العلماء والمفكرين.
على الأمة الارتقاء بالتفكير والرأي إلى مستوى الإفادة من السنن الربانية كقواعد لا كألفاظ تلوكها الألسن غير الواعية بكنهها، لأنه علامة على التحضر العلمي والفكري. ورفع مستوى التفكر والتدبر والنقاش، والتأسيس لقواعد ربانية تحكم السلوكات الفرعية، وإعادة ترتيب الاهتمامات حسب القيمة، وحسن النظر إلى أسباب التمكين، لنلج بابه الحقيقي عوض الموهوم، والثبات على سنن الكون، والصمود أمام الهوان النفسي والعقدي والمادي، فإن الزمان لا ينتظر المتخلفين ولا يحملهم. 
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم