التوحيد بين المثال والميدان


التوحيد عموما إفراد الله بما يخصه ربوبيةً وإلهيةً وأسماءً وصفاتٍ، ولقد وُجِدَتْ صفوة ممن يفقه الجانب النظري، الذي يعني استحقاق الله وحده لما سبق، فلا يشاركه أحد في تمامها بغير نقصان، إذ هو سبحانه المنزه.
إن العلوم تُنَظَّرُ للإسقاط العملي الميداني، أما إبقاؤها في المثاليات فلا نفع منها.
والتوحيد الذي أمر الله به، ودعت إليه الرسل بصيغة واحدة يصادق عليه الميدان، لا عَالَمُ التفنن التعريفي الإعلامي فقط.
والمكافأة إدخال الله الجنة كلَّ موحد، وإكرامه في الدنيا، وعكسًا بالنهي عن إهانته أوقتله إلا بحقه، كقوله صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ، متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما.
فصحابته رضي الله عنهم كانوا حريصين على نتائجه العملية، إدراكا لتعلق ثوابه بتنفيذه أكثر من علمه الاصطلاحي المعتبر وسيلةً فقط، فعلوم كثيرة يعيب أهلها على ترك العمل بها أكثر مما يعيبون على جاهلها.
فلا يَحْسُنُ عُتْبُ من بسط علم التوحيد النظري على واقعه الحياتي، ولو جهل بعضه، لأنه بلغ غايته، والقابع عند المثاليات لم يُصِبْ مقصد الوسيلة.
كما لا ينفي الوَرِعُ القبولَ عمَّن وحَّدَ عمليا بشكل صحيح لمجرد جهله تفاصيله أوبعضها، ولا يحرمه من ثوابه كله أوبعضه، لأنه تطاولٌ على الله.
لا أرى للتوحيد درجات قصوى كمن باع نفسه لله واشترى بها الجنة، لأن له عمقًا إيمانيًّا بأجل الله الواحد، وثقتُه به، ويقينُه بما في الآخرة كأنهما رأيَ العين.
فأنَّى لنا نَصْبُ شرط استكمال التوحيد عليه أوالعلم به كليا أوتفصيلا؟
لا أرى موقِنًا مُوَحِّدًا كمن أراد الآخرة تحت وابل القنابل، وحِمَمِ الرصاص، وهدير المدافع، ومتفجرات الطائرات، مقابل مريد الدنيا في إيقاع عملي لقوله تعالى:( مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ)152/آل عمران.
ولا كمن قاتل أعداء الله عالمًا أن هذا أوضح سبل الله، لِجَنَّةٍ على مرمى بصر، امتثالا لقوله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..)72/الأنفال.
إن الله ندب المسلمين إلى مدافعة أعداء دينه، ولم يشترط عليهم استكمال أصول وتفريعات التوحيد، لأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، لئلا تُعَطَّلَ شعيرة كبيرة، وتُبْسَطَ السبيل للكافرين على المؤمنين، بما يطلبه المبررون للقعود، بحجة استكمال التوحيد.
فالله خاطب به الجميع، ومنهم الأعراب، الذين يدل لقبهم على نقص لهم في ميادين كثيرة.
ولم نجد في القرآن، ولا في السنة، شروطا لجهاد الأعداء إلا درجة مقاتلة واحد لاثنين، تخفيفا، مع بلوغ قوة المسلمين نصف قوة غيرهم على الأقل، والتمييز بين قتال الغزو، وقتال الدفع الذي يشترط له المستطاع من القوة فقط.
لو نوقشت ظروف شرعية فرعية خططية ميدانية ممن يعاتبون أبطالاً لَقَّنُوا المحتل معاني الشهادة والتضحية والإخلاص، وأربكوا صفوف الحلف الأطلسي كله، مثلما حدث ضد ثورة التحرير الجزائرية، لَسُمِعَتْ منهم، أواعترفوا بقصر اليد أمام بصر العين، لفهم منهم العجز، فكلنا نقول ما باليد حيلة.
لا أريد لأمتي بعوامها، وعلمائها، ومثقفيها الاصطفاف مع جهات تخشى فضائح معلومات البنك الاستخباراتي، لأنها بهذا الفهم السقيم ستبطل حالات جهادية تاريخية حررت الأوطان، وصانت الأعراض، لنقصان التوحيد عند المجاهدين أوالشهداء.
أريد لها تحرُّرَ مواقفها، وفهومها، وتبريراتها، وحتى علومها، عن مرادات مشبوهة لمتعلقين بعدوٍّ يكبلهم بالمنع أوالفضح لئلا ترهن مصيرها بهم.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم