ما بعد الحرب

أتوقع توقف الحرب على غزة، إلا مناوشات، أوغارات متقطعة، يحاول به الاحتلال إثبات ردعه لمن يتطاول على الجيش الذي لا يقهر، وتُوَقِّعَ المقاومة الباسلة على ميدانية "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" آل عمران173. وعلى شهادة خوار جيش الاحتلال، فتعود منصورة يكفها الله القتال الجديد، لتوفر مخزون طاقتها النفسية والحربية، وتمنع التفكير في إهانة صاحب الأرض والعرض، لتعقد الاجتماعات والبحوث والتحقيقات من كل الأطراف.
1/فتطور المقاومة ذخيرتها الحربية احتسابا للأسوأ.
2/وليفكر المحتل في أسباب تدمير آلياته بمن لا يشكلون جيشا، ليحاول تطوير ترسانته بما يعجز غيره مستقبلا.
3/وليؤكد الشعب الغزاوي تمسكه بأرضه ويبطل مزاعم التهجير، بحماية المقاومة ليتراصَّا، رغم الدمار والإبادة، وليلملم الجراح، ويسلم للقضاء والقدر في الاستشهاد، وأن ذلك حاصل"وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا"الأحزاب 38، تسليما لعقيدة الأجل، وليس بسبب المقاومة كما يثرثر المخذلون.
لكن الإنصاف يبعد عن العواطف المستعرة.
إن الحرب بأسبابها، ومجرياتها، ونهاياتها، ليست ساحة للشعارات الشعبوية، فالحسابات العقلية والتخطيطية والتكتيكية للحروب أكثر من انفعالاتها، وإن كانت عنصرا قويا في سريانها، كالإيمان، والإخلاص، والتجرد، وطاعة الله ورسوله، وتراصّ الصفوف، والوعي بالقضية والأرض.
1/هل كان سببها ذاتيا استباقيا، لتحطيم مخططات توسيع أركان الدولة العبرية، وفضح فشل التطبيع في خدمة القضية كما يُصَرَّحُ به عشية كل توقيع له، مع وضع العواقب في الحسبان، والاستعداد لتحملها، والإقناع بها، اعتبارا بشعوب أخرى قدمت أرواحا كثيرة لكنها انتصرت في الأخير؟
2/أم دُفِعَتْ المقاومة دون حسبان، ابتغاء مآرب معلومة بدقة، وعلى رأسها الاستيلاء على غاز ساحل غزة، كعمل استباقي كي لا يستغل فلسطينيا فيكون طاقة كبرى، لكن الفعل تجاوز الحسابات الموضوعة على طاولة التخطيط؟
إن الناظر إلى تاريخ الاحتكاكات العسكرية بين المحتل والمقاومة يرى توقف الحرب كلما بدأت الخسائر تلوح في الأفق، ولو بادعاء ردعها تمويها، أما هذه المرة فقد طالت رغم الخسائر الرهيبة، والمخفاة عن الإعلانات الإعلامية والتصريحات الصحفية.
3/فهل أمريكا تدفعه إلى تحطيم البنية البشرية والسكنية والمادية لغزة، لتيسير الطريق نحو حقل الغاز؟
4/هل إيران وأذرعها في لبنان واليمن من الدافعين إلى مبادرة 07أكتوبر، كمن يحدث المشكلة ليحلها، أويساهم في حلها، أويظهر التعاون عليها لاسترجاع هيبات ضائعة، للمجازر المرتكبة شيعيا في سوريا، والأحواز، واليمن، ولبنان وفي كل منطقة سنية مماسَّة؟
عاطفتي مع الإجابات النافية للتساؤلات السابقة، لكن عقلي يرفض الالتفات إلى الموافق وحده دون المخالف، فالصواب واحد، لكنه يرى من جوانب متعددة، ومن أراد الصورة الطبيعية عليه بالنظر من خارج لا من داخل. ليتني أجد من يقنعني بالوجه الموافق لأنني مسلم أرفض الاحتلال، وأتوق إلى تحرير أقصانا المبارك.
5/هل تتوافق عقيدة الشيعة الرافضة لتحرير الأقصى حفاظا على الحسينيات، مع ما يسمى إمداد إيران المقاومة بفتات من السلاح؟
المسألة تتطلب استخدام العقل والتفكير والتدبر، قبل الوقود المشاعري.
أرى توقف الحرب بصفقات، تكون في أحسن الأحوال:
1/صونا للأرض من الاحتلال، والشعب من التهجير، ومن تحقيق أمريكا رغبتها الجامحة في حقل الغاز، قد تكون مقابل فسح المجال لاستغلاله مع نسبة أرباح، قد ترفع مستوى الجاهزية المستقبلية.
2/ليحسم الاحتلال خسائر جديدة مؤكدة، ستؤلب الرأي العام لشعبه الذي يخشى الموت ويعشق الحياة كما يعشق المسلم الشهادة، مع النجاة من تحميله مسؤولية الدمار المادي والإبادة الإنسانية.
وإذا حدث هذا، فهل تُحَمَّلُ حماس وجناحها العسكري تبعة الأرواح المزهقة بسبب عدم الظهور الطبيعي الواضح لهزيمة العدو؟
أرى عاقبة الحرب إمكان تعطيل مشاريع ومفاوضات التطبيع مع بقايا العرب حفاظا على ماء الوجه، ولو لوقت، لأن الواقع لا يسمح شعبيا بإدارة الظهر للأرواح المهدرة نحو رسم علاقات طبيعية مع مبيدها.
إن الحفاظ على الجاهزية المعنوية والإيمانية في النفوس الشعبية الفلسطينية والإسلامية العالمية من الضرورات الملحة جدا للمستقبل، لأن السطو عليها والقفز على مؤثراتها وتأثرها سيكسر التلاحم بين المقاومة والجميع، ويَحْطِمُ أماني التحرير نفسيا وميدانيا.
لا ينبغي تقهقر صفقات توقيف الحرب ولو تحت الطاولة عن طبيعة صلح الحديبية، تبرهن عليها مؤيدات الواقع، لتنصرف الشعوب نحو التحرير لا عنه، وتجنبا لمبررات المخذلين القائلين"ألم نقل لكم؟"، ومستعملي مصطلح جهاد السنن، ولئلا تنهار إيمانيات الفاعلين الميدانيين الذين تعففوا عن مباحات الحروب الشرعية، كالتسري بالأسيرات.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم