سر غزة مارين


العالم كله يشاهد طبيعة النزال القائم بين روسيا وأوكرانيا حول مواقع النفوذ
بتوظيف أوكرانيا، لبسط النفوذ الاقتصادي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا مجال فيه للاستقواء بالعنصر الديني.
أما الحاصل في غزة، فيخالف ما سبق منطلقًا ومنتهى، فكل من المسلمين والغزاة ينطلق من النقطة العقدية.
أحدهما يريد الإسلام، والاستخلاف في الأرض، باعتبار المخالف مفسدا في كَوْنٍ يريد الله تعالى توريثه للصالحين، ونشر العدل والتعايش الإنساني بأمان، وتمتع كلٍ بحقوقه، وتفويض الأمر العقدي والأخروي إلى الخالق.
ثانيهما يريد دينا آخر، اعتقادا في مسألة الاستكبار في الأرض، والشعب المختار، فيه انتقام تاريخي، اعتقادا في إعراض النبوة عنهم إلى العرب، وإرادة استرجاع مواقع الإجلاء كخيبر، أما هيكل سليمان فتمويه ابتدائي.
وسواء قلنا إن الغرب هو الذي يستعمله آلة في الشرق، فغرسه في منطقة اقتصادية ودينية حساسة، أوهو الذي يستخدمه باللوبيات التابعة له، للتمكن بها.
إلا أن التنسيق الواضح بينهما يُظْهِرُ عمومية وغلبة الجانب الاقتصادي الطاقوي على الجانب الديني.
لا يلبث الالتحام العسكري مع المقاومة أن يتوقف سريعا بخسارته، مع التسويق الإعلامي لانتصاره وإلحاقه أضرارا بها وادعاء الانسحاب لأسباب إنسانية، لكن طال أمده هذه المرة بإصرار منه، ودفعٍ خفيٍّ من الغرب لاحتلال غزة، ولو بارتكاب مجازر وحشية مع الإنسان فيها دون شفقة.
قلت لكثير من الناس: إن هذا التدمير والمدد العسكري الغربي يتجاوز مسألة التظاهر الإعلامي السياسي بالقضاء على حماس، ولو في:
1/تمويه الحقيقة الاقتصادية المغلفة بالغطاء الديني لدى شعبه لإقناعه بأحلام تلمودية، وتضحيةٍ تخفف الآلام النفسية، وتُقْنِعُ بالخسائر.
2/القضاء على حماس إزاحةً لعنصر ديني مخاصم، يعيق التمكين الاقتصادي كما سأبين لاحقا.
ولو لاحت له إمكانية تبادل مجموعة منافع اقتصادية معها لخفف وطأته، فلم يسبق أن عزم المحتل على استمرار العدوان بأقل من هذه الخسائر.
لأن محتواه الديني نفد مقارنة بالمقاومة، فهو على علمانية واضحة، يستعمل المعاني الدينية والنبوءات لتمرير مشاريعها بين شعبه ليبارك معاركه، ورمي أبنائه في أتونها.
أهم ملفت للانتباه هذه المرة التخطيط ولو بالحرب للسيطرة على مراكز الطاقة في مكامن جديدة، كسوريا والبحر المتوسط في المياه اللبنانية وساحل غزة، وإذا ما تمكنت الولايات المتحدة من هذه الحقول الغازية الجديدة رفقة أذرعها أوربا والكيان فإنها ستخرج غاز روسيا وإيران من الخدمة، ولتحاشي المواجهة ترسل أذرعها إلى سوريا لكنها اصطدمت بالقوة الأمريكية التي استولت على ثلثها، وتكلف ذراعها اللبناني لأجل الحدود البحرية، وإذا تحقق للغرب هذا المستقبل الجديد، سيتولد تكتل اقتصادي قوي يسيطر على المنطقة، لذلك يُضْغَطُ لتهجير الغزاويين، وتسريع مفاوضات التطبيع لتحييد الكثير عن منابع الطاقة المكتشفة، باعتبار العلاقات الجديدة اعترافا بحدود جغرافية، وسيادة سياسية، وشؤون داخلية في العرف الدولي، بينما يدعمه الغرب لطلبه الإعانة على شأنه الداخلي.
لكن التساؤل القوي سيكون حول مدى قدرة الاستحواذ على أحدث طاقة كسوريا ولبنان وGhaza Marine، وفي تقديري احتمالان:
1/إعادة احتلال غزة، بذريعة القضاء على المقاومة، سواء قلنا بإقحامها يوم 07/10، لشرعنة حق الدفاع عن النفس، أم لا، وهذا ما نؤجله إلى ما بعد وضع الحرب أوزارها، لأننا في وقت المساندة المطلقة، وهذا يتوقف على امتلاك كل طرف قدرة الاستمرار ماديا ونفسيا وروحيا، ومدى صبر الكيان على امتطائه وعدم المبالاة بالأثمان الباهضة.
2/ظهور معطيات ميدانية جديدة لم تَعْلُ سطح الأحداث تعيق الأمر، خاصة إذا تعفنت الأوضاع الإنسانية مما لا يخدم السمعة ولو وهما.
المخزون الإيماني والوقود الناري معيار تحديد الإخراج النهائي.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم