التوحيد المظلوم

كُلِّفَ الأنبياءُ والرسلُ بالدعوة إلى التوحيد، لعبادة الله بالإيمان والعمل الصالح، ولتكون له الآثار العملية في الأداءات الكثيرة.
وركَّزت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة على غرس قيمه، وفي المدينة على استثماره في التشريع، ولا يُشْحَنُ به المسلم الجديد بعيدا عن التكاليف.
لم يؤجل النبي صلى الله عليه وسلم للوفود الجديدة الأعمال إلى ما بعد التشبع بالتوحيد.
تشرَّبتْ جحافل الصحوة الإسلامية هذه المعاني بيسر عقلي، لاستعادة الأستاذية الإسلامية على العالم.
لكن المحيط الدارس لمقاصدها وأدبياتها وطبيعة أفرادها خاط لها جيوبا أفادت منها، لكن لتحرف غرضها تمويها بقواعد وضوابط شرعية تخرجها من كنوزها في غير وقتها، وتُعْمِلُها في غير سياقها الموضوعة له.
ومنها ذلك الإبعاد الرهيب بين التوحيد وأداء التكاليف المختلفة، بدعوى التريث إلى حين التمكن منه، والتصفية من كل مكدراته ولو أنملت.
دعوتُ ولا أزال إلى ضرورة الاستقلال التشريعي، والتحرر الفكري، والانعتاق التنظيمي، والابتعاد السياسي والحزبي، للعالِم بالدرجة الأولى، وأتباعه بالدرجة الثانية عن علم، لتناول المسائل براحة نفسية موالية لله وشرعه فقط، وهدوء بحثي، ولو طال زمنه.
فكلما برزت إلى السطح احتكاكات بين الأمة وغيرها، في إطار التدافع السنني الرباني، وُظِّفَتْ تلك الأفكار بإملاءات غريبة، تلبس رداء الشرع.
إننا أمام ضبط مسائل:
1/الأصل هو توحيد نقي من شوائب الشرك المتفق عليها.
2/تمامه اجتماعيا متعسر، لأن الكمال لله وحده، ومدعيه قد توقعه لحظةٌ في لمم ولو كان رياءً.
3/دعوتنا إليه لا تعيقها التكاليف بحجة اكتماله، وتشديدُ القول به في جهاد أعداء الأمة يسوق إلى إسقاطه على تكاليف الصلاة والزكاة والصيام وغيرها، وإلا فهو خُلْفٌ.
عن أبى هريرة قال: حدثونى عن رجل دخل الجنة لم يصل قط؟! فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو؟ فيقول: (أصيرم) بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقيش. رواه أحمد وحسنه ابن حجر، وشهد له النبى صلى الله عليه وسلم بالجنة.
فالرجل لم يتعلَّم ولا جزئية توحيد بسيطة، وشهد له بالجنة.
4/لا دليل على الإرجاء به في الكتاب والسنة، ومُخَالِفٌ للمزج بين الإيمان والعمل الصالح بما استفاض قرآنيا، فالتوحيد بغير عمل صالح غير كامل، والعمل الصالح بغيره غير صحيح.
5/هذا الإرجاء مفضٍ إلى تكفير المخالفين من جملة أهل السنة والجماعة، والنكير شديدٌ على تكفير المسلمين.
6/ومذْهِبُ شرعية تحرير الأوطان، وموجب ردِّها إلى مستعمريها، لأنه لم يكن لبعض المجاهدين التوحيد التام، ولآخرين نصفه، ولبعضهم ربعه، وهو ما لا يقوله عاقل يلبس رداء الولاء والبراء.
7/مدعيه يوظف قيمة الصبر بشكل سيء انتظارا لكمال التوحيد، كما وَظَّفَتْ بعض الطرائق الصوفية مسألة القضاء والقدر في الإقعاد عن جهاد المستعمرين.
8/قاعدة (انصر أخاك ظالما أومظلوما)، تعني حجزه عن الظلم، إذا كان خصمه مظلوما، أما وأعداء الأمة ظالمون بإجماع العالم والإعلام، فالواجب نصرته على عدوانهم، وهو تكليف عيني ولو بحمل حديدة لضرب العدو، ثم تُنَاقَشُ المسائل بعد الاعتلاج، أما إثارتها أثناء إراقة الدماء وإزهاق الأرواح فخذلان، ولو توهمنا بيان القواعد والضوابط.
لقد طرحتُ على نفسي، كما طرح عليَّ غيري أسئلة تتعلق بضوابط شرعية تخص الحدث، لكنني ألجمتها عن الإجابة، مراعاة للآلام والآمال، حتى تهدأ المعركة بالنصر إن شاء الله، لتكون الحوارات والأحكام بعيدة عن الواقع المعيَّن، لننطلق من العام إلى الخاص على طريقة جمهور المتكلمين، لا من الخاص لتقعيد العام على طريقة الفقهاء.
ولنوظف وسائل رصِّ الصفِّ الإسلامي، شعورا بالمعاناة، وقيمةِ التعاون، ولنحكِّم الشرع باستقلالية لا بخضوع مهيمن.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم