القضية من التحرير إلى التصفية


لم نشهد انتصارا أوليا على الكيان منذ سنة 1973م بالحجم والعدد، ولا التفافا دوليا ضد القضية المركزية للمسلمين منذ الإبادات الجماعية سنة 1948م، لضرورة تسهيل الاحتلال وبناء دولته، بالمبررات الدينية والتاريخية الوهمية، فإن الحشود العسكرية الدولية الجديدة تحمل دلالات قد تفك رموزها السياقات اليومية، وشكل التدمير، والنزوح من الشمال إلى رفح، والبيئة العربية والأعجمية المحيطة عقيدة وعددا وعدة.
كان احتكاك المحتل والمقاومة يكتفي بالأسلحة الذاتية من الجانبين، ولو بالإعانات الخفية، عكس مجريات اليوم.
إن استدعاء حاملات الطائرات الأمريكية جيرالد فورد، وإيزنهاور، والبارجة البريطانية، والتحضير لإرسال فرقة لقوة المارينز، وقد تنضم إليها قوات عسكرية لدول أوربية، يستحيل أن يكون لمجرد تأييد العدو على شعب أعزل ومقاومة دون الاستعدادات المعادية.
إن العُّدة الضخمة تتجاوز مقصد تدمير المقاومة، لأن القوة الحسابية دون المعنوية للعدو كافية، خاصة التعداد الكبير لأفراد جيشه المستدعين لضمان الاستخلاف المريح في حالة انهزامات برية بين فصول المعركة.
إن الدواعي إلى تلك الحشود الضخمة الذي أرجحها، هي ما يلي:
1/استباق التواجد المساند للعدو، قبل تواجد آخر، كالقوة الروسية، أما الصين فدولة حذرة، تتجنب الدخول في احتكاكات تتلف لها سنوات من التنمية العسكرية والاقتصادية.
أما روسيا فتكفيها الديبلوماسية السياسية ولا يمكنها تقسيم قوتها بين أوكرانيا وغيرها، وهو ما يمنح تحركا غربيا ولو ضحى بأوكرانيا مع بعض الاتفاقات المتناصفة مع روسيا، وقد لقننا التاريخ أن مواقف الاتحاد السوفياتي والروس في قضايا العالم الإسلامي مقتصرة على البيانات فقط.
2/التخوف من امتلاك المقاومة لأسلحة متطورة، تكسبها زمام المبادرة العسكرية، إن انفرد العدو بحرب برية.
3/إفراغ غزة ولو بالإبادة وضمها للاحتلال، وهذا يتطلب وقتا، ما استدعى هذه القوة الكبيرة، ويتبين ذلك حينما نرى اليوم مشاركة قوة دلتا الأمريكية تمهيدا للهجوم البري، وتزويد الكيان بمدرعات جديدة.
4/تهديد التحرك الإيراني المحتمل، رغم يقيني من عقيدتها الخاصة تجاه السنة والأقصى، حفاظا على الحسينيات الشيعية، رغم إفادة معلومات بتقديم بعض الدفعات المسلحة البسيطة للمقاومة حفظا لماء الوجه التاريخي المستقبلي، مقابل تشييع المنطقة، ما عطلته المقاومة ميدانيا، فإيران وربيبها حزب الله يكتفيان بالتهديد والعويل استمالة لعواطف الشعوب في سياسة براغماتية واضحة.
أما رشقات حزب الله لبعض مواقع العدو فهي ردود على مقتل بعض عناصره.
ولذلك فإن استباق التواجد العسكري الغربي يمنع التحرك الإيراني.
5/الضغط لاسترجاع الأسرى الأجانب، وخاصة الأمريكان، وهذا ما يفسر التفاوض الأمريكي، وتكثيف القصف على شمال غزة لإفراغه من أهله، تمهيدا لاقتحام بري عنيف، قد يودي بحياتهم كنتيجة عكسية.
6/تهديد بقايا النخوة العربية التي قد تستيقظ أوتنفجر في كل وقت محتمل بسبب المجازر الوحشية، وتخويف الأنظمة المطبعة من مغبة التراجع والوقوف مع شعوبها الأبية المتمردة عليها.
7/استرجاع بنك المعلومات الاستخباراتي المستولى عليه من قبل المقاومة يوم 07 أكتوبر2023م.
8/مزاحمة تزعم الكيان القطب الاقتصادي مع الصين مستقبلا.
نستدل بما سبق على تجاوز مسألة المقاومة، رغم بسالتها، ولو لا هذه الدلالات لانتهت المعركة مثلما كانت تتوقف بإعلان الانتصار على المقاومة ولو بالتمويه.
إن القضية تتعرض لخطر التصفية، بعدما كانت محل مطلب التحرير أوالدولتين، ودليله التهجير القسري المباشر وغيره.
والغرب الذي أتعبته الطائفة المشتتة، فزرعها في منطقتنا، فالأنظمة العربية الوظيفية المحيطة تريد إنهاء صداع المشكلة بمكوناتها ومطالباتها وأحداثها.
لكن مع غفلتها، ستكون هدف التصفية مستقبلا لاستكمال مشروع الدولة الكبرى من الفرات إلى النيل، وحينها تُعَضُّ الأنامل.
أتمنى تكرار طبيعة غزوة الأحزاب لنقول: اليوم نغزوهم ولا يغزوننا.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم