الابتزاز تأثيره وعلاجه


لي تلميذة نجيبة، تهتم بالدروس المقررة وغيرها، تدافع عن المرأة، ولو بمزاحمة الرجال، استفززتها يوما بسؤالين، واستغللتُ لهثها وراء معرفة الإجابة، فطلبتُ منها الاعتراف بقوامة الرجال على النساء، وتحكمتُ في مشاعرها، فقرَّرَتْ تمجيدهم وتحويل قناعتها، وسحب دفاعها عن المرأة، ثم ظهر السؤالان غيرَ ذَوَيْ بال، والإجابة غيرَ موجودة أصلا، والعملية مجرد تعليم الثبات على القيم المختارة بقناعة. إنه الابتزاز، الذي يقابل شيئا بآخر، وهو لا يحصل بين خيرين، إنما بين خير وشر، أوبين شر وشر، فالثواب على الإيمان والعمل الصالح، أوالهدية للولد على نتائج دراسية حسنة نعتبره مكافأة، لا ابتزازا.
إنه في تقديري منتشر في عدة مجالات، منها:
1/الابتزاز العقدي: ومنه قوله تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ/16 سورة الحشر. ساومَ الشيطانُ الراهبَ على إطلاق سراحه مقابل الكفر.
2/الابتزاز الاجتماعي: كمساومة المرأة الناشز للرجل باستقلالها عن أهله مقابل العودة إلى البيت.
3/الابتزاز الجنسي: ومنه ابتزاز أحد الثلاثة الذين سَدَّتْ عليهم صخرةٌ فوهة الغار لابنة عمه بِعِرْضِهَا على احتياج، فتركها لما ذَكَّرَتْهُ اللَّهَ، وتوسَّلَ إليه أن تنزاح الصخرة، في حديث متفق عليه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
4/الابتزاز المالي: ومنه قوله تعالى لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ/233 سورة البقرة.
5/الابتزاز الشخصي: مثلما يحدث من مساومات العملاء مقابل ستر المفاسد الشخصية وبالخصوص الصفقات المشبوهة، والمتاجرة بقضايا الشعوب.
6/الابتزاز السياسي: كاشتراط التأييد داخل المجالس مقابل صيانة الحق الانتخابي، يحسبها المتعطش للسلطة مغنما وفيرا.
إن الابتزاز يَجُرُّ اللاهث وراء زخارف الدنيا، وفتاتها، لأنه لن يأخذ الثمين مهما كان المقابل، بل العكس، يُسْلَبُ السمينَ بالغثَّ.
إنه مساومات تغرس أقدام الكبار في أوحال الصغار، وتسفه المضطربين، وتغرقهم في عفن الدجل والكذب، يستخفون من غيرهم حال التلبس بجرم الخضوع له، وإذا مرَّت ضَغْطَتُهُ وانقشع الغمام، جاء بمظهر البطل الثائر المنافح عن الأمة، وعدوُّه يضحك من زور المسرحية، كلما لاح منه نشاط أخرج ضده ورقة الابتزاز، فيتراجع بشبهات كثيرة واهية.
كثير من مشاريع الدول والأمم أفشلها الاستعمار بأوراق الابتزاز، فظلت الشعوب حبيسة أنظمة وظيفية بسرائر خبيثة، لا قدمت رجلا إلى الأمام رغم أنف الاستعمار، ولا رفعت تسلطها، لأن الابتزاز يُلَوِّحُ، والمكاشفة جاهرة.
إن الابتزاز يخرم قيمًا، كان حاملها يقف لأجلها بِحِدَّةٍ، فينسلخ عنها، ويهينها، ويلغي اعتبارها، أويؤخر ترتيب أولويتها، يُوَدِّعُهَا لأن المقابل في وهمه أكبر، والتهديد بالابتزاز آكد.
إنه يؤوي الاستبداد، ويُمَرِّنُ على قبوله، والتعود عليه، حتى تكسل الأمة عن مقاومته.
يُدَرِّبُ على إهانة الإنسانية، وأخذِ ما في أيديها بلا حق ولا تراضٍ.
يرفع الوضيع، يعظم الهين، يهين العظيم، يصور الوهم حقائق في ذهن الخاضع لسلطانه، وهي سراب للظمآن بقيعة، أوكبيت ثلج بني في الشتاء، أذابته شمس الربيع، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
والدعاء المعروف (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمَّن سواك) رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه، يحرر من الابتزاز، ويصون المرءَ من الطمع.
إن المبادئ والقيم والاقتناع بها كنوز ورؤوس أموال وفوائدها، لا ينبغي تحويلها أوسحب اعتبارها إلا بقناعات معاكسة صحيحة أرجح منها نفعا بغلبة ظن، دون ابتزاز بأية مراوغة غير قيمية.
إننا بعلماءنا ومثقفينا وسياسيينا ومسؤولينا مدعوون إلى توطين أنفسنا على مبادئ ديننا وقيمه وأحكامه، والشعور بالمكانة الإنسانية لكل من نعامله، ونخلص له أداءنا، لئلا نهين كرامته، وقد أعزَّها ربه قبلنا.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم