الإفساد في الخصومات الاجتماعية وتأثيره.

الناس ليسوا ملائكة (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)، والاحتكاك بينهم، وعرضتهم للزلل الشعوري والمعاملاتي، وأخطاؤهم العالقة، يُحْدِثُ الصدام المتوقع.
الخصومة ليست غريبة عن العوائد الإنسانية، لأن الطبع الآدمي يأبى السكوت عما يراه ضيما، لكن المشاكسات البشرية بالسب والتعيير، والشجار بالتلاكم والتراكل، وإفشاء العيوب المسربة بثقة سفيهة، هو الفجور المنهي عنه في الحديث النبوي، لذلك يُرى المفسد للخصومة عنيفا مزبدا مرغيا، وكأنه ما نال عشرة ولا أُهْدِيَ كرمًا.
إن بعض المخاصمين يطلق عنان لسانه، يحسبه مجرد مضغة لحم تعجن الحروف، لتلفظها قُرْءً خارج الفم، وهو لا يدري أنه لحمة في الأكل، شفرة حادة سليطة في الخصومة، يقع على القريب قبل البعيد، يقطع أوصال العشائر والعائلات، يرديهم صرعى لا يقوون على النهوض لصلح.
إن ذلك يعود في نظري إلى أسباب ودواعي وعلاجات.
الأسباب:
1/ الجهل ونقص الزاد الثقافي والأخلاقي الاجتماعي.
2/ الجهل بفنون تسيير الخلافات لعصمتها من التعفن.
3/ الجهل بالأساليب السليمة للحوار.
4/ اختلال القيم، فما له قيمة عند البعض يهان عند آخرين، ومنها قيمة الإنسان، والتلاحم البشري.
5/ الغفلة التامة أثناء الخصومة أومقدماتها عما بني منذ مدة على المستوى النفسي بالخصوص.
6/ الذهول عن السوابق البينية في مختلف المناسبات، كالتعاون فيها بالبناء، والأعراس، والمآتم، والاستشفاء، والتعليم، والإدارات، والوساطات، والاحتياجات المالية والمادية، والزيارات المرضية، والنصرة عند الظلم، وتربية الأولاد، وحراسة البيت، مما يتناسى المتخاصمون فضله، والله تعالى يقول (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) 237 البقرة.
7/ السهو عما يخفيه الغيب من احتمال الاحتياج إلى الخصم يوما ما.
8/ الجهل بعسر البناء بعد الهدم.
الدواعي:
1/ الاعتداد بالنفس على شاكلة ماذا تقول عنا العرب التي اندلعت بها حروب، وأزهقت أرواح، ودُمِّرَ عمران، كما كبحت حماقات.
2/ النأي بالنفس عن منطق التواضع، واعتباره ضعفا.
3/ أيادي المحيطين الدافعة بالتأثير نحو حماقات إضافية.
4/ التعصب وادعاء الصواب والحق، وخشية هاجس الانهزام.
العلاج:
1/ مراعاة احتمال التصالح.
2/ ترك هامش التراجع فارغا ليحمل عبارات الصفح التي ضاقت عنها صفحات النزاع.
3/ ضبط الكلام، لتضييق مساحة التنافر.
4/ تجنب جرح المشاعر، لأنه مجلبة الأنفة والإباء، وعلة تعسير الصلح.
5/ التركيز في الخصام على المسائل الكلية المطلقة وتجنب التفصيل ما أمكن لعل الخلاف يؤول إلى توافق.
6/ تحريك عمليات ذهنية أثناء الخصام تستحضر علاقات سابقة مبنية تهدىء الروع، والله تعالى يقول(وَلاَ تَبْخَسُوْا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) 183 سورة الشعراء.
7/ إن الأسرة الصغيرة من زوجين لابد أنها مجلبة لعلاقات ولو مجاملاتية بين والديهما وأقاربهما، تكونت بها عشيرة كبيرة متصاهرة، ولأن أساسها ينهار وينهدم في كثير من الأحيان بشجار وافتراق عنصريهما، وجب عليهما التريث والتحفظ كثيرا، ووزن الألفاظ والعبارات والكلمات، تكال بدقة عمق تقارب صهرته الأيام ونسجته الأسابيع والشهور والسنون.
8/ لا يحسن تذكر العتاب السابق، واجترار ماضي الخصومة، أثناء الوساطة منعا لمضاعفتها، وتعطيل الصلح.
تخاصم جاران على مُشْتَرَكٍ في العمارة، والتزم أحدهما الحدود المعهودة، واستحضر قيمة الجار، فصان لسانه عن القبح، واستذكر صفات المنافقين في الخصومة، فأمكن التقاؤهما يوما، واستطاعا محو السابق وآثاره، ولو حدث التجاوز من كِليْهما لمنع عمق التأثر المعنوي اللقاءَ.
نريد لأهلنا وأسرنا وعائلاتنا وعشائرنا تماسكا، حتى في الغضب، لعصمته من الخروج عن الحسن إلى القبيح، ضمانا لدوام تلاحم اجتماعي كما عهدناه للرعيل الأول من قرون الخير التي مدحها النبي صلى الله عليه وسلم.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم