قيمة العلماء في ميزان الوعي.

منذ يقظة الصحوة الإسلامية لبسط السلطان العقدي والتشريعي والأخلاقي للإسلام على مجريات الحياة، والعدى يتابعها لإفشال مشروعها النهضوي، بتخطيط متدرج المدى.
وبعد تحولها إلى حركات منظمة مع خصوصيات كل قطر، اختُرِقت وفُرِّقت ونُحرت فكريا وعقديا وفقهيا، وتحول مشروعها إلى صراع داخلي، وسُخِّرَ ضدها المدد البشري، والوسائل الفكرية.
كان من أخطرها إهدا رمزية العلماء في ضمير سوقة الأمة، بالتدريب على إهانتهم، والتركيز على كل معيب يعظم في عيون الأرذال المتغلغلين، ويزين لهم التشنيع بهم، والتدبير ضد كل من لا يروق لأتباع المنهج الصهيوأمريكي، وإرادة الجرح والتعديل دون مؤهل، دون مراعاة أهل، أوأحباب، أوحدود.
قد يبدر من العالم مَعْيَبَةٌ بشرية لغياب أسرار، أوخطأ بطانة، أونقص تقليب، أوقصر نظر، أوصواب دون غلق ذرائعه، أومأمن مضبَّبٍ، أومقصد موهوم، لكن لا يعدم إجلال قدره العلمي، وتقدير وسعه المبذول في تحصيله، ثم تبليغه، مع الترحم عليه إن كان ميتا، ورجاء عفو الله الواسع له ولنا، فرحمة الله ليست حكرا على أحد.
إذا أصابَ العالمُ، فلسنا من يأجره، أويحرمه الثواب، وإذا أخطأ فلسنا من ينزل عليه الإثم، ولا من يحميه منه.
الله وحده من يقبل أويرد الأعمال، ويدخل الجنة أوالنار.
لقد غابت (لكل عالم زلة) عن الأتباع فتغافلوا عنها، والخصوم فلم يشفعوا بها.
لا ندري لعل المهان قد تَقَبَّلَهُ الله عنده بعمل خفيف الكلفة عظيم الميزان، وقد نقرأ له كتابا فيتحسَّن انطباعنا.
لم نكفِ أنفسنا باليقين، وموازيننا بالعمل الصالح، والجنة بالضمان حتى نتشفى في المؤمنين.
لقد وقع بين الصحابة رضي الله عنهم في الدماء أعظم مما وقع بفتاوى أوسكوت، لكننا لم نهن صحبتهم، ولا تبشيرهم بالجنة، بل التمسنا لهم الأعذار، ووكلنا الموتى تحت سيوفهم لله.
سالت دماء بفتاوى حرة فجرمتها ضغائن، وأزهقت بسكوت خاذل فتبالهت.
وليس من الأدب اتخاذ العرض والشرف والسمعة مرمى رمي.
لم نعقل عن السلف جرح الميت على جدة وفاته، بل يؤجلونه لمدة ليست يسيرة، مع تركه لمختصيه في موضوعه فقط نقلا، أوحفظا، أوفقها، ما لم يتحمله جمهرة العلماء، بل يحضرون مجالسهم ويترحمون عليهم، ويترضون لهم، خشية عواقبِ يوم القيامة، أما غيرهم فيقودهم الحقد الأعمى لجهلهم بهول يوم الحشر، مثلهم كالذهن العامر بالعلم، يتورع أكثر من الفارغ الصخاب بكل لغوٍ.
إن المسلمين مدعوون إلى خلع رداء الغفلة عما يدبر للأمة من داخلها للإجهاز على مصادر علومها، وعزها، ومنابع تحضرها، ليتم القضاء عليها، أوعلى الأقل توهين قوتها وإذهاب ريحها، في سراديب الخفاء، وأقبية السياسة العالمية، لتجريف ما بقي من ركام بنائها الذي نطمع استعادة رفعه.
وإلى وعي يعري مشاريع الأعداء للتحرر من هيمنتهم، ويسحب البساط من تحت أرجلهم.
وإلى القراءة الكثيرة، والتدبر العميق، والتعلم الدائم، والصبر على طول وقت التحصيل، وأمزجة معلمينا، وصفحات كتبنا، وصعوبة عباراتها، وعسر فهمها، وتقليب مقاصدها، والسؤال عن مبهماتها، في لغتها، وبلاغاتها، ونحوها، وصرفها، قبل الانسياق وراء نقادها.
وإلى التغافل عن السيئات المرجوحة مقابل الحسنات الراجحة، لئلا يفوتنا ميراث العالم، لغضبة من طفرة.
وأدعو سادتنا العلماء إلى الكف عن المهاترات البينية، والتضارب العلني، لئلا يلتقطها البُلَّه التابعون بفهم أعرج، ونهزة خبيثة، فتصطفَّ سيوف تقطيع أوصال الأمة، وتشرذمها.
وإلى ابتغائهم الله تعالى وحده بإنتاجهم العلمي، دون الاشتغال باستقطاب عوام الأنصار.
وإلى النصح المستمر باحترام أتباعهم أهلَ العلم مثلهم، كما فعل أئمة المذاهب الفقهية المعتمدة.
ودون ذلك ضحك الأعداء على ذقوننا، واستهجان طبائعنا، وتتابعٌ في تهزيلنا، إن عسرت عليهم إبادتنا.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم