لا تظلموا حماس

تناولت في المقال السابق التمييز بين التحالف والركون إلى الظالمين، فلنلقِ نظرة تطبيقية بعد تمعض البعض من إعادة حماس تطبيع العلاقات مع النظام السوري.
أكره الأنظمة الظالمة، المستبدة، التي تحاصر الحركات التحررية، ومنها حماس التي لقنت العدو دروس التضحية والفداء والبطولة حين تتجرد لله وحده.
والتعاطف مع حماس لا يمنع انتقادها، ولا يغض الطرف عن إنصافها، فليست ملائكة معصومة.لكن ليس من التوكل على الله التوقف عن بلوغ منافذ فك الحصار.
النظام السوري استقوى بعصابات الشيعة على المواطنين بأبشع الأسلحة، لا ينكره إلا جاهل، أومشارك، أومسرور بالإبادة الجماعية، ودمار البلاد، وخراب العمران.
والتفاتة إلى واقع حماس مع أنظمة أخرى قد يقود إلى التريث في الحكم، والتحليل المنطقي الشرعي العقلي، والحق يعرف بوجوه عديدة.
حماس لها علاقة بروسيا مبيدة الأبرياء في سوريا.
وبأنظمة لها مبادلات ديبلوماسية مع سوريا.
وبقيادة الضفة الغربية العميلة المتخابرة مع العدو.
وبنظام الملالي الشيعي الإيراني، الحاقد على السنة، وقاتل أهلها في بلوشيستان والأحواز.
وبأوربا الصليبية راعية إجرام الكيان.
وبأنظمة أبادت المعتصمين، ودفنت الأحياء.
وبأنظمة فرَّطت في مسلمي الأيغور، وخذلت مسلمي ميانمار.
وبنظام بلاد التوحيد الذي دكَّ حصون حركات سنية يمنية لصالح الحوثيين، ومنح بعض أراضيه قواعد غزو العراق، لقيادات معادية، وسلمته رخيصا للشيعة.
الأنظمة المسلمة تصادق الأنظمة غير المسلمة مدعمة الأعداء بالمال والسلاح والجند والعلوم والخطط واللوجيستيك.
ضاعت البوصلة عند البعض، أوتعطلت، فلم يستنكروا علاقات حماس، إلا مع النظام السوري.
ولم يثر النكير على علاقتها به قبل الثورة الشعبية، كأنه لم يتشيطن إلا بعدها.
وخرصوا عن عودته إلى جامعة الدول العربية، ليتركوا حماس عارية العارضين والثغور.
ليس هكذا تُقَلَّبُ الأعمال والموازنات الدولية وشبكاتها المتشعبة.
إن مدار العلاقات الدولية على المقاصد الشرعية المعتبرة تخطيطا وتفكيرا ومصلحةً وحمايةً للمبادئ والقيم منها.
إن مبنى الاجتهادات السياسية الميدانية على الترجيح بين المنافع والمفاسد، والانسياق وراء الأغلب منها، ولو ارتكبت المفسدة الصغرى لتجنب الكبرى.
إن إبداء المواقف تأييدا أواعتراضا يبنى على امتلاك المعطيات الواقعية الصحيحة، والأدلة الشرعية نصا وفهما واجتهادا وفق الأصول والقواعد، لا بالهوى والعاطفة الجياشة الآنية، وضبابية المعطيات، وجهل بحقيقة الميدان التي يعلمها قيادات حماس أكثر منا، وبالأحرص، وتنكر لتاريخ حافل بالبطولات، يسوق العقل بالانفعالات.
إن الواقع العالمي الحالي لا يقبل الانحسار الطوعي، وإنما يفرض التواجد الفطن المميز بين الحق والباطل والصواب والخطأ أثناء التعامل مع المحافل دعوة وملاحظة ومراقبة واستثمارًا.
ليس من المروءة الاعتراف لحماس بحماية غزة، ومنع العدو منها، وتجاهل هذا المقوم التاريخي اليوم.
إن مصير مقاومة العدو من الأنفاق والممرات في خطر باستمرار مقاطعة الأنظمة، وتضييق دول الطوق.
إن حماس كمثل كتيبة جنود لم تجد بدا من عبور وادٍ متعفن بمياه الصرف الصحي اضطرارًا ملجئًا.
إن التطبيع الظاهر بضوابط القيم دون إملاءات، قد يحيِّد النظام السوري،
لأن الأنظمة الأخرى لم تحقق شيئا لحماس، كالإقامات، والمدد البشري والمادي، والمالي لمقاومة العدو، وفتح المعابر، حتى تنأى عن هذا الإجراء، استقواءً بها.
لا ينبغي تزيين هذه الخطوة لحماس، ولا تجريمها، لغياب المعطيات اللازمة.
ولا يحسن استصحاب تربيتنا على المعارضة العنيفة دون علم ولا تقدير آفاقي صحيح.
ولا أرى في هذه المواقف الناسية إلا نتاج عجز العدو عن حرب حماس، فاحتال بأبناء جلدتها.
فلابد من إنصاف ودراسة متأنية ونظر حصيف موجه بالرؤية المقصدية للوصول إلى نتائج، أوتأجيل الفصل على الأقل.
لا تظلموا حماس فلعلها ترى ما لا ترون.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم