من الرياضة إلى الحياة.

أنشغل بالقراءة أكثر من الرياضة، لكنني لا أغفل عن أخبارها، ومواكبتها، وخاصة كرة القدم المستقطبة للجماهير كثيرا.
لم أتابع افتتاحية الكأس العربية المنظمة في دولة قطر، لكنني شاهدتُ ملخصا عنها.
لا أخفي انبهاري مثل غيري من مستوى التقنيات، والتنظيم، والموارد البشرية، والوسائل اللغوية والذهنية، وسرعة التنفيذ وفعاليتها، مما وصلت إليه هذه الدولة الصغيرة، فقد أغفلَ عمرانها طابعَها الصحراوي، ولم يبق ما يدل عليه إلا درجة الحرارة فقط، ويكون الأمر نفسه لو تولت دولة أخرى من الخليج تنظيمها، والإمارات بالخصوص.
ولا أخفي تألمي الشديد من اكتشاف تخلفنا عبر هذه المرآة.
لقد كنا الأفضل في سبعينات القرن الماضي، يوم كان حكام دويلات الخليج يمشون حفاة على الرمال، بلهَ عامتهم، فضاعفوا سرعة السير، وسبقونا.
وربما دفعنا ثمن مواقفنا الثابتة المزعجة للغرب المنافق، شعبيا على الأقل، ولم نستغل علاقاتنا الخارجية السياسية والاقتصادية جيدا.
ولا يخفى على المطلعين زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى الجزائر أيام حكم بومدين رحمه الله، إذ عرض نظرته المستقبلية عن تطوير دولته، وهو يضحك عليه تعجبا من رجل لا يملك طائرة السفر، ويحكم قبائل متناثرة، على رمال قاحلة حارة بأرجل حافية، يريد محاكاة أمريكا، بناطحات السحاب، والطرق السريعة السيارة.
إن قطر عرفت كيف تستغل الإمكانات المذكورة سابقا في تفعيل ما نراه الآن.
كنت رفيقا لشقيقي في مستشفى الملك فهد بجدة سنة 2009، وخالطتُ بعض العاملين فيه، فقلت لأحدهم، أنتم أحسنتم استغلال علاقتكم بأمريكا في هذا الجانب.
لكن الملفت أن هذا التطور الرهيب في دول الخليج ليس شاملا لكل مجال، فهو مسجون ضمن حدود مرسومة مثل باقي دولنا.
وهذه البهرجة المرئية نهضة ذاتية، ومنحة مباحة، إغفالا عن مجد مطلوب ضروري.
فلا نجد جانب الغذاء والدواء والسلاح حاضرا كالمرافق الرياضية والتجارية والعمرانية والبنى التحتية.
ولا شعورا مفعلا لقيمة التعاون والتكافل نحو وضع المحتاجين والمستضعفين والمظلومين وسوقهم نحو حياة أفضل.
ومعلوم تخاذل مواقف هذه الدويلات مع القضايا المصيرية والتحررية للأوطان في العالم المكلوم.
ليست كل مدنية تكسب السيادة التامة والشخصية الوطنية العظيمة إذا أُحِلَّ لدولة لعاعات لا تخيف العدو ولا تهب البلاد منعة.
إن أعداء الأمة علنا أوسرا لا يرعبهم ما نراه ما لم نفتك به استقلالا ذاتيا ببأس الغذاء والدواء والسلاح.
ويبقى في نظري تطورا مراقبا، محكوما عن بعد، ترسم له الأطر والقنوات المحددة لمساره، وسِكَّتُه التي يمنع الخروج عنها.
إن الاكتفاء الذاتي في الغذاء يزعج ما يسمى العالم الأول، ويزعزع ميزانه التجاري، ويكسد منتوجاته، ويقفز بالنوعية المالية القومية عندنا، ويعيق تسريب الأغذية المغشوشة صحيا.
والاغتناء في الدواء يضمن الكفاية الصحية، وينهي ارتهاننا بغيرنا، ويخلخل التوازن المالي والتجاري لغيرنا، ويقضي على التحكم المناعي عن بعد.
والخط الأحمر المسطر تحت أقدامنا هو السلاح، فلا يُسمح لنا بكل الطرق والوسائل والأساليب والديبلوماسيات والتحركات والمؤامرات أن نستقوي به، إلا أسلحة بسيطة لا تخيف ولا ترعب ولا تكسب مناعة قومية.
أن يغض الغرب الطرفَ عن تشييد الملاعب، وبناء الناطحات، وتطوير الإعلام، والخدمات، والطرق، ووسائل المواصلات، وتهيئة الفنادق المخمورة، والمحلات والأسواق والمراكز التجارية الكبرى، وقاعات الفن، وفضاءات الاختلاط الجنسي وغيرها، لا يعني تحصين الشعوب، وإشباع الفقراء، ومنع الأمراض، وحماية البيضة، بقدر ما هو تهيئة مناخات إقامة أفراده، وشركاته، وتسيير سياحتهم.
ومن أراد معرفة الحقيقة فلينظر إلى جزاء الرئيس محمد مرسي رحمه الله، ومصيره بعد كشف نية سلطته في تحرير الغذاء والدواء والسلاح.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم