عنتريات عنجهيات عاتيات.

اضطر رهط من بني آوى، إلى الاستراحة مدة معلومة في أكمة،،، طلبوا من خراف وديعة وفيةٍ الإعانة على تهيئة أرض، وملجأ، ودرِّ لبن، وطبخ، وتشبيك أغصان الشجر احتماء من مطر السماء، ووقاية بالحشائش من لوثِ الغبراء، وحفر مخابىء الصغار، على أن يُسَلَّمَ كلُّ شيء لها بعد الرحيل.
راق الاقتراح لكل الخرفان، إلا سيدا، قوي البنية، صلب القرنين، غليظ الحافرين، برقت له قوة سرابية لم تكن تبدر على ذهنه، لولا الطلب الذي نجَشَ نهمه،، أصرَّ على تسلق الأغصان الغليظة، وتولي الأمر والنهي، وكَفَّتْ بصيرته عن التسليم الموعود الحتمي، فشعر الظاعنون بهتك الهيبة، فطردوا الخرفان، فلا قرار لها، ولا استخلاف.
في فيلم رحلة شويطر إلى العاصمة، صمم بوبقرة على ترك القرية لمجرد عنجهية فردية رغم محاولة ابنه ثني عزمه، فلم يأبه بإشارته، وغادرها منتشيا بخيال التمدن، لكنه عاد إليها وقد هدم بيته العتيق، ولم يعد ابنه الناصح.
الأوهام، والمكانات الاجتماعية والسياسية والمالية والسلطوية، تبهر قيادات الأحزاب والنقابات، فيأنفون من النزول عن القمم، ويصرون على ازدراء الطاقات المتقدة بجذوة التجديد والتحديث، فتلجؤها إلى الاستقالات، فتنسف جهودا كان الأحرى استغلالها.
سنن التدرج تقضي بالوقوف عند جذع الشجرة ضمانا للثبات زمن الرياح العاتية، لأن الأغصان الباسقة رامية إلى قاع الانتحار لضعفها عن المقاومة، إلى وقت التمكن.
والجن في عرف الرقاة إما يطرد برقية قوية، وعدة إيمانية، وسلاح قرآني، أوالتراضي معه بقسمة الموقع، ولو مؤقتا.
إن التدرج في بناء البيت يقضي بانتظار التمام لاعتلاء طوابقه، لأن الإصرار على الإقامة فيه بدارًا تقويض لجهود البنائين، وحرمان من السكن كلية.
هذا حال بعضنا، ممن يتعجل الإمساك بميراث من العفن خَلَّفَتْهُ السلوكات، ورسَّبته المطامع، فتخور الأذرع الهزيلة قبل معركة التطهير، عوض الانحراف إلى القوة، أوالتحيز إلى فئة للكرِّ في حينه.
إن طبيعة هذا السلوك تنم عن جهل بحقيقة الميدان، وسبل التعامل معه، فيصدق المثل الشعبي (جا يسعى ودَّر تسعة).
إن في الأمة طاقات خلاقة قوية مبهرة، يكسرها صَلَفُ (أنا وليكن بعدي الطوفان)، أنا الأول والآخر والظاهر والباطن.
لم يكن أحد أقوى على ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه علمنا دقة التبصر بطينة الواقع للتعامل معه بما هو متاح من أسلحة إيمانية ومعنوية وأخلاقية وعددية ومادية.
ولم يتغطرس مع قومه الغلاظ كي لا يقضي على مشروع الأمة.
منعه المشركون مع ألفٍ وأربعمئة مسلم من أداء العمرة سنة ستٍّ هجرية، وقد انتصر في غزوات بأقل من هذا العدد، لكنه لم يُضحِّ به، ورضي بمفاوضات تأخذ وتمنح إلى أن فرج الله تعالى بأمرين:
1/ هزال الشرك في مكة.
2/ فضح المشركين أنفسهم بالإغارة على حلفائه.
إن الانتصار في معركة العدد والعدة لن يكون كل مرة عند أول نزال، بل قد يقدر الله من أسباب التوفيق مرة أخرى ما تحار منه النهى.
إن القضاء على محاكاة انتفاخات صولات الأسود قد يسوقه فضائح يستغلها المتريث الممتثل لمسارات التدرج في التغيير والإصلاح بما ينسخ الفساد، ويهيء الله له سبل الإصلاح بيسر لم يكن ليتوفر قبلُ.
ولن ينتبه إلى هذا الفضل منفردٌ بالرأي، شاخصٌ نحو السراب لمشتهىً كامنٍ نحو المعالي بدون سلالم.
لن يصل إليها مكابر على الإشارات، مستخف باليد الآخذة إلى الخير الآجل، لأن الإيمان يحتم نصر الأخ مظلوما بالتأييد، وظالما بالنصح الصادق، لكنه يفرض من جهة أخرى الاستقواء بالإسناد، والوقوف عند الهديِ.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم