بين السياسة والمبادىء الجزء الأول

تنطق الألسنة، وتكتب الأقلام، وتخط الكتب، وتناقش المجالس، لفظةَ المبادئ، وتصرفها إلى الأنفس، بمدح حاملها، أوذم فاقدها.
والجلُّ لا يميزها عن القيم، ولا يدرك ما بينهما من عموم وخصوص، وموقعَ كلٍّ منهما من الحياة الفردية والجماعية، وأيتها تمثل المنهج الإنساني المقبول أوالمرفوض، واختلافَ الناس في اعتبارها، ثم في ترتيبها لبناء أسلوب حياة.
فأعيقت حركة النفع والتدافع، بشبهة التَّضَّاد بين المطلوب المرغوب والمبادىء.

إن الذي نعرفه من دراساتنا أن المبادئ هي الثوابت الصالحة في الدنيا، الموافقة لشرع الله ودينه، ومنها سننه في الكون، لكن القيم هي تلك الموازين والمعايير التي يجعلها الفرد أوالهيئة أوالأسرة بنودَ حياة، يبني عليها المنهج بترتيب ذهني، وأعراف اجتماعية، ومكتسبات عقلية، وتجارب يومية، ولذلك قد نختلف في القيم، باختلاف الأفراد، والهيئات، والبيئات، وقد نتفق على بعضها، ونختلف في ترتيبها.     
إن كثيرا من هؤلاء لو طلبنا منه سرد المبادئ التي يتغنى بها زورا وبهتانا لتلعثم.  
وقد يجهل أنه مستسلم لنفسية مريضة، ومعنويات متعالية فقط، أراد تفسيرها بمصطلح المبادئ، وهو بعيد المنال.

تعجُّ بأصواتهم الدنيا، ضجيجا مفسدا للحياة، وليته لم يكن له صدى يفتن العامة، فعطلوا بها حركة التاريخ والعمران والتكافل والبناء والتحضر. لم يفهموها فأفشلوا مشاريع نهضة للأمة.
دمَّروا مجهودات غيرهم بتطاول أعرج على فلسفة الحياة. تأرجحوا بين الإدبار والإقبال بسراب في الأذهان سمي زورا المبادئ.

كثرت فيهم العنترية الهزيلة بالإصرار السقيم على ضبابية مبهمة اتهمت بها المبادئ.                                                        
ظاهرهم الثبات، وعمق أسقامهم العدوان على الغير بهذه الشبهة السخيفة، والتعالي بها.
أدى إلى تضييع فضيلة وثواب التعاون على الخير بمعناه الشرعي الواسع، مع الموافقين والمخالفين لعنجهية مبتذلة، تملأ الدنيا صخبا خاويا.
إن الحقيقة التي أراها حسبما لقنتنا العلوم، ومنها السيرة النبوية الشريفة، ومراس الدنيا، ومجالس المثقفين وأهل العلم، والزخات العلمية من غير المسلمين، أن القيم الصالحة التي يحملها المؤمن أوالثابت أوالنزيه أوالنظيف في قلبه وعقله ووجدانه ويترجمها سلوكه، لم تكسر حركةَ مكرمةٍ تجاه الغير ولو باينتنا قيمهم، إذا توافق الموقف المعني وقيمنا.  
وقبل التطرق إلى علاقة العمل السياسي بالقيم والمبادئ، أنصح من يتزيى بها انتفاخا أن يجرب إمساك ورقة وقلم لتدوين مبادئ الزمان والشرع، ويستخرج منها قيما يعتبرها معايير منهجه المتكامل في الحياة، ثم يستنتج احتمال الاحتكاك بها مع غيره، تجانسا وتغايرا، وتقدير النتائج منفعة أومفسدة.    
ولينظر في وصف عمله صوابا أم خطأ، إن وجدها بعملية الاستقراء نبعَ أعمالٍ كثيرةٍ محتواةٍ فيها أم لا.     
وليسأل نفسه عن معنى وتعريف المواقف، ومصادرها، وتناسقها معها، أم مع مجرد أهواء طائشة.   
وليفحص تمييز الناس من عدمه بين المواقف والمبادئ والقيم.     
لأنها ليست رحمًا للتخاصم والتباغض والتدابر والخيلاء والتعالي ومختلف النرجسيات المزاجية.   
إنما هي قواعد تضع البشرية في أرقى أحوالها، دينًا، وعقلاً، وحضارة، وإنسانية، إلا من تجاوز.
فإذا صح منه الاختبار اتجه إلى قراءة الجزء الثاني من مقالنا حول علاقة السياسة بالمبادىء والقيم، ومكانتهما في الاحتكاك بالمنافسين، ومرتع الاتفاق، وتأثيره على ما نحمله، استيلابا، وثباتا.

يتبع إن شاء الله.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم