السياسة والأخلاق

في العمل السياسي رؤى استراتيجية، وتكتيكية، وتنازلات عن مسائل لا تصادم القيم الثابتة، لتدرجات سننية، ومناورات مع المنافسين لترسيخ أقدام في مراكز مختلفة، وتحالفات تعاونية، وتوازنات عضوية وموقعية، في تسيير الموارد البشرية، واستصدار قوانين مناسبة.
إن من أهم مقاصد العمل السياسي في رأيي هي:

1/ النهم الرسالي: وهذا من أفضل الغايات، باعتبار السياسة وسيلة وعبادة مشروعة لإبلاغ الرسالة العقدية، أوالإنسانية، أوالقيمية، أوالفكرية، أوالأخلاقية في المحطات الكثيرة.
2/ خدمة العباد والبلاد: ويضاف إلى أحسن المرامي فالكثير يستهدفون نفع المستضعفين، وتطوير البلاد، بكل نافذة على الإدارات الكثيرة.
فهو بهذا بعيد عن النفاق والكذب كما يرام بهتانا.
لكن الممارسين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، مثل:
3/ تحصيل المغانم:
أ/ المال: فكثير من الراغبين في اعتلاء مناصب ومقاعد في المجالس النيابية والمحلية هدفهم الحصول على مزيد من الامتيازات كالمشاريع التجارية والاقتصادية والمقاولاتية والصفقات في البناء والاستيراد والتصدير، والعلاوة المالية للمنصب النيابي.
ب/ الشهرة: المعلولون نفسيا يبحثون عنها، فيكفي البعض أن يظهر لغيره مسؤوليته، أونيابته في دوائر معينة.
ويلحق بها الجشع الزعاماتي.
ووسيلته الظهور الإعلامي، بسبب التعطش لشاشات التلفاز، وعناوين الجرائد، ومواقع التواصل.
إلاَّ علية الأقوام فلا يريدون سرابها، لأنهم أغنياء بالفضيلة والعلم والثقافة.
ج/ الانتقام: من حالة اجتماعية أوفردية، ليوهم ثقافته ومناقشتة القوانين والميزانيات، وينسي أميته، ولو أن يلوي نسخ الجرائد اليومية دون تصفحها، لكن العقول مميزة بين المشهور حقيقة أووهما، والوضيع حقيقة أوباطلا، وديدنه التموقع بين المسؤولين والنافذين في الإدارات.
4/ الجهوية والعشائرية: فقد يترشح من يبغي تكثير سواد الجهة، والعشيرة، والقوم، والعرق.
إن وجد متحفظون من العمل الحزبي والسياسي بسبب غموض مكانة الأخلاق بينهما، إلا أن التجربة الحياتية والتاريخية تكشف عن تفاعل الأخلاق تأثرا وتأثيرا مع كل سلوك من الحياة.
لذلك من البشاعة اعتبار السياسة صادَّةً عن الأخلاق، إذ ليس من السداد الحكم بالمآل السيء دون الحسن.
إذا عدنا إلى معناها، وتاريخ ممارسة أعظم نبي وأصحابه لها، بان لنا الالتزام المضبوط في تسيير الشؤون الداخلية والخارجية.
فتولية المناصب، والمهمات قائمة عليها منضبطة بها، والتعامل الدولي ولو في الحرب خضع لها، ولم ينفكَّ عنها.
وكانت القيم الثابتة الواضحة شعائر تحكم الممارسات السياسية، يمنع ما حام حول حماها، ويقبل ما غار داخلها، وسيرهم تعجُّ بالجم الغفير منها.
وإنما في نظري قد لا ترقب هذه الزاوية إلا من قبل طرفين على الأقل:
1/ ناقص علم بالتاريخ الناصع لجوانب إنسانية، فلا يرى ممارسات اليوم إلا فاسدة لتراكمات مضنية، فتحالفات حزب، أوهيئة، أوغيرهما يفسره البعيد مباشرة بالتخلي عن المبادئ، وهو محتاج إلى فهم مسألة المبدأ، والقيمة، والفرق بينهما، وتفاعلهما مع التدافع البشري.
ليس ضرورةً أن نحكم على عمل حزب مأمول بالفساد والضلال لمجرد تعاون مع هيئة أخرى، لأن التعاون مع الكافر في إطار صيانة قيمنا مشروع، فمن باب أولى مع المسلم.
2/ أ/ مناور صادٍّ لغيره ليفسح له مجال التحرك وقضاء مآرب فاسدة، لأن منافسته للصالحين لا تسعف أهدافه، وهذا مكر مخادع رأيناه يصدر ممن سَعَّرَ الحرب على التحزب الإسلامي، خوفا من التيه الانتخابي، رغم الاعتراف بتسلل منعدمي الأخلاق إليه، وهذا من الطبيعة البشرية الحاملة لبذور الشر بين جمهرة الخير.
2/ب/ سلطة تميِّعُه (رغم أنه عمل دستوري)، إبعادا لأجواء الحريات السلوكية والتعبيرية والعدل والمساواة والتشاور المستقل، وتمديدا لعمر الاستبداد، حتى أضحى كل متحزب محذور منه، ولو قام الليل وصام النهار، في نظر العوام (ولو في هيئة علماء، فليس كل حامل علم فقيها، أوفطنا محنكا).
وفي الخلاصة إن الأداء السياسي هو كباقي الممارسات في العالم، تعتريه كل الأحوال الواجبة والمستحبة والمباحة والمكروهة والمحرمة، والمصفاة هي المعيار والحكم.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم