تدبير وسط الحرية

نشِرَ على التويتر: (هناك من يناضلون من أجل الحرية، وهناك من يطالبون بتحسين شروط العبودية، من أي فريق أنت؟).
نعم، لا وجه للمقارنة بين صناع الحرية، وصناع الاستعباد، ولا بين صائغي الأحرار، وصائغي الطواغيت.
لكن لا أحب حصر الأفكار والتساؤلات، والاستبيانات في نمط معين، أوعدد قاصر يختار لنا، فتفلت منا الافتراضات، والحقائق.
إن كثيرا من الناس، ليسوا من الصنف الثاني، لأن الله فطر الإنسان على عشق الحرية، ولو قَبْلَ الوقوع في الأَسْرِ، والبحث عن الانعتاق، لكن قد يختلفون في نضالها.
من لا يناضل لها، لأنه حر أصلا.
أولأن المحيط مخذل، كسول، وديع، فار من المكاره العارضة في السير.
أوفهمه للقضاء والقدر مغشوش، فهو مُسَلِّمٌ للاسترقاق، بدعوى غلبة الدهر، التي لا يرى فيها اختيارا قبلها، بل يكبر في عينه الجبر، فلا قبل له بتغييره.
وأين الوسط في التغريدة بين الفئتين؟
لأن الاقتصار عليهما يعني الإقرار بمتهورين في النضال، يعودون بنا في آخر السير إلى نقطة الاستعباد، لأن روح المتهور مستبدة.
إنه التدرج، والاعتدال، والاعتراف للمحسن، والاعتراض على المسيء.
تريث النبي صلى الله عليه وسلم استعداد للحرية حين يتلقى القهر والاستعمار والاضطهاد الضربة القاضية، لا إقرار بعبودية.
وللاستعداد لازمه المادي والذهني والاجتماعي والعلمي والزمني.
إن النضال الذي يضحي بخيرة حامليه فوضى.
والذي يأتي على الأخضر واليابس دمار.
والذي يقوده همج رعاع أميون جهالة.
والذي يستجلبه ذوو الأهواء غرور.
والذي يحرق المراحل جنون.
والمنقول بحرا وجوا وبرا احتلال.
والذي يخترق صفوفه عملاء خيانة. والذي يستظل تحت الإملاءات والوصايات تمكين للاسترقاق.
والذي تُحَضِّرُ تهييجَه مخابر التوجيه استغباء.
والذي يُجْهَلُ طريقه خروج عن القصد في المشي.
وهو ليس مرتعا للسب والشتم، إنما جنان القدوة قبل المطلب.
ولذا يعجبني موقف الشباب الإفريقي الشجاع مع ماكرون الذين لقنوه درس معاني التحرر بكل أدب وأخلاق. إنه سلوك الكرامة حتى مع التنظيمات الجمعوية والحزبية، وإلا فالخروج منها أضمن.
وتقدير العواقب، ومقارنة بين راجح المنافع من المفاسد أثناءه.
إن انعدام ذلك ضيَّع السنة، في سوريا، ومكَّن للتشيع، وميلشياته.
وليس تسييرَ أحقاد، لتبوء إلى رقٍّ حديث بوهم التحرر من النظام الحاكم.
ولا صراعا بين الشعوب والأنظمة فقط، إنما ينبغي امتداده نحو الهيئات الحزبية، التي يمارس قياداتها القهر التنظيمي على القواعد المنخرطة، تناقضا مع صرخاتها التحررية.
حسن التقدير، والتدبير المؤقت لا يعني الاستكانة وقبول الاستعباد.
مصطلح الحرية لابد أن يعم مجالات الحياة، العامل عند التاجر، والمستثمر، والصانع، والمقاول، والموظف، وغيرهم.
إنه لا يقتصر على المصطلح السياسي لاستلام الحكم الجديد من السلطة القديمة.
وليس حملات عابرة سرعان ما تتلاشى كالزوابع بعد سكون الرياح.
كم ضيع المدعون على الأمة من فرص الانعتاق لإهمال النظر الثاقب الهادىء الرزين؟
كم أبادت المشاكسات على السدة من بناءات التحرر؟
الحرية لا تقف كلماتها عند شفاه الأبطال، بل هي دوام مستمر، صابر، يقارع الاستعباد والاستذلال إلى أن يعفر وجهه بالتراب.
إنها أثمان باهضة تدفع في حساب القيم.
لا تساوم القاهر وراء ظهور الرفقاء، مقابل رمق حياة.
ولا تسكت عن مظالمه، حين تناسب الكلمة الحرة.
ولا تؤجل للمستبد، حين يستعد التحرك الحر، ورباطة الجأش، لئلا يتنفس للاستقواء من جديد.
ولا تحبس الحركة برؤية دموع التماسيح، بل تدفع إلى يأسه التام، وحتفه البرزخي.
وإلا قادت إلى آخر مقول صاحب التغريدة، فاقدة شروط الحرية، لَمَّاعة للعبودية، باحثة عن تحسين شروطها.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم