جدلية وثائق التعليم

سمي تقديم الدروس تعليما لأنه يغرس معارف، وعلوما، لا لأنه ميدان التعسير بالوثائق، ومنها مذكرة التحضير البيداغوجي بالأسئلة والإجابات الصحيحة المحتملة، وتدوين الحجم الزمني هامشيا.

قد أفاجىء بنشر معارضتي للجمود على نمط وثائقي في التدريس، ودعوتي إلى التحرر منه في إطار التطوير، وقد لا أكون متحجرا إذا رأيتُ الاستفادة من بعض محاسن الصور القديمة في نشر العلم، لأن حريتي تمنحني شجاعة طرحه، ولا أعدم إمكان سبق غيري إليه.

إن قصد الزمر الغادية يوميا إلى المؤسسات هو التعلم، والرواح بعدها إلى البيوت تَحَمُّلُ المعارف الجديدة.

وهو ما لا يحصل بكثافة ونوعية بمضايقة تحضير المذكرات المحشوة بالسؤال والجواب، وضبط أوقات الوضعيات البنائية، المرهق، بدل الأهم.

ما جعل المراقبين يركزون عليها، ويستهدفونها بالزيارات التفتيشية، أدى إلى تقليص حجم القياس المعرفي، وغض الطرف عنه، حتى أصبحت معيار إتقان التدريس، بينما لا يُكتَرثُ بوثيقة معارف الموضوع المدرس.

أصبحت المذكرة مثقلة كاهل المشرف المباشر على التعليم، تحضيرها مجهد، محلٌّ لديه قلقا واضطرابا يحرمه عواطف عائلية لأوقات كبيرة جدا، مع تصحيح الفروض والاختبارات والاستجوابات.

إن هذه المذكرة المفروضة تغيب تماما ويستغنى عنها في التعليم الجامعي، وما اختلف العمل والهدف عن الأطوار القبلية.

يفترض الاهتمام بالعمق العلمي المعرفي من عدمه، وبصحة تقديمه من عدمه.

ونظرة خاطفة إلى الوراء تكشف لنا عن أجيال تخرجت قديما بشهادات، وتعليم يزخر بالتلقين والإملاء والشرح، واستعانة علمائنا الأفاضل بما حفظوه، ونسخوه فعلَّموه، لم يعتمد هذه النمطية البالية.

كثيرا ما يُمْنَعُ إملاء التعلمات، بينما يحدثنا التاريخ أن نيل درجة العَالِمِيَّة والإجازات كان به كما كان بغيره.

لم نجد مراقبا استلم ورقة تحضير المعارف وصححها، إلا قليلا.

إن استنزاف الأوقات بورقة السؤال والجواب والزمن وغيرها أضاع على كثير من المعلمين كمًّا كبيرا من المطالعة والقراءة للتكوين، والتحسين العلمي والمعرفي، والتزود الكافي، لتقديم الجديد كل سنة على الأقل.

إن الأستاذ المحاصر بأضلاع المذكرة المطلوبة ترسبت لديه المعلومات القديمة منذ التخرج، ولم تتطور، والدليل تيهان الكثير بعد كل تغيير في المناهج والبرامج، لانعدام التوازي التكويني، بسبب الخضوع لنمط تحضيريٍّ بالٍ، يحدث له إرباكا مع متعلميه ومفتشيه.

لو مُنِحَتْ حرية تحضير الدروس، لوجدنا تدرجا معرفيا عاليا، يُمَكِّن من تقديم علوم دسمة، وهو الهدف المقصود، عكس النجاحات الحالية في مختلف الامتحانات التي تُسَلَّمُ كصكوك غفران، والدليل هو تحكم السلطة في توجيه الناجحين حسب المعدلات وطاقات استيعاب كليات الجامعات، اعترافا بانحطاط المستوى.

نعم لابد على المعلم من إتقان فن التدريس، والتحكم في الأحجام الزمنية لسيره، لكنه يستجلب تكوينا وتدريبا، كي نحيله أمرا ذهنيا معتادا مصاحبا لعملية أهم وهي ضبط نظام وقتي كافٍ للتزود العلمي المعرفي الذاتي الذي كتبت فيه مقالا سابقا، وإلا فلا يمكننا الجمع بين المذكرة والتشبع المعرفي، وكثيرا ما عثر على معلمين مغلبين تصميمها لأنها المطلوبة من قبل النظام التعليمي، لكن بمعارف محدودة جدا.

وإذا قارنا فسنكتشف الغزارة العلمية للمتمدرسين بين يدي المعارف، عكس مذكرة البيداغوجيا، الذين يخرجون من القاعات ورنين السؤال والجواب يصلصل آذانهم.

وإذا كان ولا بد فليراقب تدوين الدروس، ولتترك تفاصيلها للمهارة الذهنية عند الأستاذ، بتنوع طرقه ووسائله وأساليبه الموصلة إلى الهدف، كما يفعل بتمرين رياضي، أوفيزيائي.

وكما أن الوصاية كانت شجاعة في تحديث التعليم وتحيينه، فلتكن لها شجاعة تطوير أنماط بأساليب مريحة من هذا الطراز.

وإني به على يقين إن شاء الله.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم