المتساقطون في أول اختبار

خلق الله الحياة لاختبار الناس، قال تعالى في سورة الملك (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)).
والتساقط أثناءها، ظاهرة بشرية مشهودة، يدل عليها رضُّ أطراف الجسد، بعد التعثر، ثم العلاج، والتماثل للشفاء.
ورسوب المتعلم في الامتحان الدراسي الأول، بتقصير، أوضعف، لا بسوء طويّة، ويستدرك مرة أخرى.
وقد تتوارى إخفاقات أخرى، بتوبات، وتصحيح مسار نفسي، أواجتماعي، أوأخلاقي، أوتربوي، أوتعليمي، إذا وجدت المشفى المناسب.
أوتكسِرُ الخاطر، وتثقِّلُ إلى الأرض، ويعيش متوحدا، أومع الجماعة المراقبة، بالريبة، والتصنيف، والمنح بالقدر الضروري فقط، أودونه.
التظاهر الكاذب بكل محمود تصنع، يفضحه انحراف في أول منعرج، يلحظه أصحاب المعالي.
امتحانات الحياة للمتظاهرين كثيرة ترفع بعضا وتضع آخرين، وهي عين حادة البصر، لأن أحكامها اجتماعية، ليست كامتحان التعليم، لأن أحكامه حسابية فردية.
تظاهر عبد الله بن أبي بن سلول بالإسلام، فسقط في أول تخيير بين الولاء للدين، أوللذات، وأعان الكفر على الدين، وضيَّع الانضواء تحت لوائه.
وهوى المرتدون في أول ابتلاء بالعيش دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المتظاهر بالإيمان والالتزام والصبر على مشقة التكليف، ينزلق في أول  محنة بمرض، أوسفر، أومناسبة، فيضجر فيما كان يظهر تحمله، أويتركه.
ويسقط المتظاهر بالثقة، في أول اختبار كتم السر، فيفشيه.
ويسقط المتظاهر بالعفة فيهتكها في أول اختبار صيانتها.
ويسقط المتظاهر بطهارة اليد في أول اختبار مع القروض فيؤخر سدادها، أوالودائع فيحجزها، أوالشراكة المشروعة، فيختلس منها.
يولي على نفسه بالشكر بعد الرزق، لكنه يمسك في أول اختبار رضوخا لأطماع النفس، وشحها.
قال الله تعالى: وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)، فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76). سورة التوبة.
وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ، فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ(189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا، فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190). سورة الأعراف.
ويسقط المتظاهر بالوفاء لصديق، أوقريب، فينحرف عنه عند أول شِدَّةٍ، أوجماعة، فيشذ عنهم في أول سِنةٍ عامَّة، أوأهلٍ فينسى فضائلهم برحيلهم.
السقوط في أول اختبار بعد تظاهر خادع، كاشف عن خبث معدن كان مطليا ببريق ملمع، فبان صدأه عند أول تعرض لشمس الحقيقة، وليس كمن سقط بعد ثبات في محطات كثيرة، لأن نفاسة معدنه دلت عليه فحولات حدثت لها زلات العلماء، وكبوات الجياد.
مثله تنصرف عنه الثقة، كمن نهى الله عن شهاداتهم لقذف الأعراض بغير بينة، ويمحى ذكره عند قامات الناس.
السقوط يصنف التظاهر في خانة الكذب، لكنَّ الموقف الجلِدَ، وترك الأمر  للعالم بما تخفي الصدور، وتكنُّ القلوب، يصنف في دائرة الصدق.
السقوط في اختبار الحياة يحيل عليه، سوء تقدير الموقف، والكلمة، والخطوة، والمشاعر، ومآلاتها، وردود الأفعال.
الأخلاق والتربية تأبى الانصياع لكسل النفس حين يُشَمَّرُ عن ساعد  التكافل، كي لا تسقط حظوتها بين أفاضل القوم عند أول تمحيص.
المروءة تأبى الانسياق وراء لواذ النفس عن الوفاء حين تنكسر الخواطر، وتجرح المشاعر، كي لا يهون إجلالها عند أول رزيئة بين العارفين لقيم التآزر الإنساني.
باب توبة الساقطين مفتوح، لكنَّ ألسنة الناس حادَّة، وأحكامهم قاسية، تشوه ماضي الفاشل، وأحكام الناس لها اعتبار في الشرع.
إن على الإنسان التدرج في مراتب التربية والتحلي بكل حقيقيٍّ لا وهميٍّ،  حتى يجمله الله.
وعلى العاجز عن تصديق التظاهرِ الانضواء ضمن كوكبة الناس كي لا يتميز فيختبر دون قدرة.
ويكرس ما سبق تعليم بمستوى عالٍ يبادل المثل العليا بين الفرد والمجتمع، والجماعات، والعشائر، والأعراق، ليضمحلَّ التباهي، ويتكاثر التعاون على البر والتقوى.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم