التعليم بين العظائم واللمم.

لا غرو أن تنطلق دعوة النبي صلى الله عليه وسلم من أمرٍ ربانيٍ بالعلم، [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)] سورة العلق.
ولا غرابة أن يتزاحم عليه المسلمون، فهو طريق الجنة.
(من سلك طريقا يطلب فيه علما؛ سلك الله به طريقاً من طرق الجنة)
رواه أحمد، وأبوداود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، عن أبي الدرداء.
فأهله في الجنة ذاكرٌ لذتَه في الدنيا، وكلٌ دافع إليه بأولاده، وكافَّة المقصِّرين في الاغتراف منه نادمون عليه بعد الكبر.
التعليم عصب الأمة، وذروة سنامها، وشأنها المؤرق، ونواتها المركزية ورسالة الأنبياء، وميراثهم.
تنشرُ لأجله المقالات، وترسل التنبيهات، وتبادر التدخلات، وتتوسل المناشدات، وتشحذ المهمات.
كل شيء في الناس والكون والحياة متأثر به حفاوةً، أوإعراضًا، أخذا، أوتركا.
حسن غراسه يثمر حضارة باسقة لها طلع نضيد، واجتثاثه يجعلها حطاما كأن لم تغنَ بالامس.
به، يتجدد الوعي، ويتحرر العقل، ويُصَدُّ الاستبداد الداخلي، والعدوان الخارجي.
الاعتناء الصحيح به يَصْنَعُ مسؤول أسرة، ومجتمع، ودولة، ومذلِّل الشدائد العاتية في سبيل نهضة الأمة، بَلْهَ تخريج حامل شهادة ورقية، مصادِقةٍ على كَمٍّ معرفي.
تعهده لا يزاحمه الاشتغال بلمم الحجم الزمني، والحصص، وموعد الدخول المدرسي، والتفويج، والدمج، والمناصب، وغيرها، رغم أنها تبعاته، وتحسيناته.
صرف جلِّ اللقاءات، والإرساليات، من أجلها، غفلة عن عمق مسائله، كالنمط التعليمي، ونوعية المتخرِّج، ومعشر المجتمع المراد، وأفق الدولة المنشودة، وقوة الجيش المرجو، وذروة الاقتصاد المبتغى، وكرامة العيش المريح.
واشتغال برسومه دون مقاصده، وبوسائله دون غاياته، وبقشره دون لبابه، وبالمطلوب لغيره دون المطلوب لذاته.
التخطيط لصغائره كل سنة إهدار جهود، وإسراف أوقات، وتنكيد طاقات، لأن العادة مُحَكَّمَةٌ، والدورة الزمنية راجعة إليها.
ولا تعيق المستثنياتُ سيْرَ العظائم.
عصارة الأذهان تُسْكَبُ للتصاميم المصيرية كالمناهج والبرامج، وآفاق التعليم، وآلياته، والتدرج العلمي والسنوي، والدعم الاجتماعي والمالي له ولمؤطريه.
إننا أمام حاجة التخطيط الأمدي، وتوطينِ أنفسنا في ركام التنقيب عن متعلقاته، كهويتنا، ومرادنا منه، وأهدافنا القريبة والمتوسطة والنهائية، وموقفنا من المسار العلمي العالمي، ومجال انتقال المتخرج، شغلا، وإفادةً، واستجماع إرادة سيرنا به نحو التحرر من التبعية، وامتلاكنا التقنيات الحديثة لصون القرار السيادي الوطني والحصانة الاجتماعية، والبرامج الموافقة لذلك، والمعلم والأستاذ المكافىء، والمدرسة المناسبة، العمومية أوالخاصة، ومدى توافقهما أوافتراقهما في الرؤية والأهداف وطبيعة المتخرج، وبُعْدِ ثنائيتهما عن أي خلل فكري، أوزعزعة علمية، أوزحام معرفي، أواختلال تطبيقيٍّ في شتى الميادين.
إن استنهاض المثقفين وأهل العلم من أولياء التلاميذ للدفع نحو تغيير سحيق خادمٍ مصلحةَ العباد والبلاد، داعٍ لا محيد عنه.
أراهم مسبتين مستقيلين يملأ بالَ جُلِّهم أعمالهم ومشاريعهم، وضيقُ أوقاتهم، يلوون على الغدو والرواح ثم النوم من الإرهاق، جاهلين مكمن مصير أولادهم.
لتكن مراحل الفراغ الانتقالي سانحاتٍ لمراجعة غائرة تأتي على ما فسد أوجَانَبَ الصوابَ منه، ومقارعة التحديات العالمية، الأخلاقية منها خاصة، الناجمة عن الانفجار الإلكتروني الرهيب، الذي أطلع أولادنا على كل سر لم يحن زمانه كالجنس بالخصوص، كبَّل مسار تمدرسهم.
ثم الانتقال إلى الجادة الدائمة، بقسط، دون استراق الأماني لصالح الانتماءات المختلفة، فإن الله [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)] سورة غافر.
وإلا سنُعَاقُ في وَحْلِ ما أنذَرَنَا أسلافنا، ونفعل بأنفسنا ما لا يفعلُ بنا عدونا.
[إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْأَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(37)].سورة ق.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم