محل الأخلاق من التعليم

لا عجب أن يُقَرِّب النبي صلى الله عليه وسلم من مجلسه يوم القيامة أحاسن الأخلاق.
قال الله تعالى = وإنك لعلى خلق عظيم = سورة القلم 04.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم، رواه أحمد، والترمذي.
تحدث القرآن كثيرا عن الأخلاق، باعتباره مصدرا، يحتاج إلى مناهج مبينة، وتفاصيل مستنبطة، وعلى رأسها التعليم كمحول إلى الناشئة.
أُلفت لها الكتب، وأُقرضت لها الأشعار، لكنها لم تَطرق محلها من التعليم، ووسعه الجماعي المنهجي.المنظومة التربوية لا تزخر بما يدل على احتضانها، أومتابعات نسبها المتنامية، أوالمتهاوية عند التلميذ.
فالزيارات التفتيشية تراقب الأستاذ والإداري، دون أخلاق التلميذ، وتفحص وسائل وأساليب توصيل المعارف، دون غرس الأخلاق.
لا يوجد في مهام التفتيش استفسار الأستاذ والمدير عن المسار الأخلاقي للتلاميذ.
أُغرِقت الإدارات في المؤسسات بالإرساليات، والإحصائيات، والردود عليها، دون الأخلاق، والتحصين بها.
تقاليد الإدارة أهملت للتلميذ هذا المجال، فكان ضحية حذف الأخلاق من قاموس المتابعة، حتى أصبح يدخل المؤسسة محاربا.
قد يقال إن الأخلاق مهمة المساجد، لكن الواقع يشهد أن ميدان الاحتكاك الشديد بتعداد قليل مركز هو التعليم، لأن المسجد فضاء واسع، غير مركز في العادة.
المدرسة الابتدائية هي نواة تلقين بعض الأخلاق، لكن لا ترتقي معها إلى المتوسط، والثانوي، وحتى الجامعي.
إن التعليم هو الحامل تبعة التشنجات وآثامها في المجتمع، لأنه الرحم الوحيدة الغالبة التي تتراكض داخلها أجنة القيم الأخلاقية، قبل خروجها إلى دنيا الشارع، والمسؤول عن صياغة الفرد المؤدب كما يصوغ سابك الذهب والفضة طواقمه، والميدان الأقدر على تضافر جميع مواده =وليس بعضها= لصناعة قوالب أخلاقية بشرية.
بعض الدول بدأت تتفطن لهذا الأساس في بناء المجتمعات، والأمم، فاعتنت به، وحرصت عليه.
الأخلاق للأمة، كالماء للجسد.
المناعة الأخلاقية، كالرياضة للجسم، صنوان لا يفترقان.
والعقل السليم في الخُلُق السليم.
حماية الروح والوجدان، كالحِمْيَةِ للأبدان.
إن عجز أخلاق التلميذ يحول دون التفاعل مع أستاذه، لأنه في حالة نفسية متضادة، وضحية غض التعليم طرفه عنها.
إحصاء نسبها العالية والمتوسطة والضعيفة لتكرس لها اعتناءات خاصة، ضرورة لا محيد عنها.
وتخصيص دورات تدريبية لأجلها، تجديد لا مناص منه.
وصياغتها الشرعية لعلة التأثير الروحي على الإنسان لا مفر منه إلا إليه.
حين تنتشر قيمة الأخلاق في المؤسسات التعليمية، ويَتَشَعَّرُ ويتدثر بها التلميذ مع المدرِّسِ، والإدارة، بترسيخ كثيف، ورقابة، وتقارير، سيرقى التعاون على التبادل المعرفي، ويتحقق هدوء الأروقة، والساحات.
وتنفضُّ المجالس التأديبية من العقاب، إلى الثواب.
وتتوالد الأخلاق من رحم التعليم مُنْفَطِرَةً بعد التخرج، في مؤسسات العمل، والشارع، والمحالِّ التجارية، والأسواق، والحافلات، وكل التجمعات البشرية، والرحاب العائلية.
سينفجر التعاون على البر والتقوى بين الناس شبابهم وشيابهم، ويزول الجفاء الوجداني بينهم.
نريد شبابا يكون مظنة الطيش في الصغر، فإذا أحكمت أخلاقه بالتعليم والتربية، صدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم (...وشاب نشأ في عبادة الله...)، وعظم في أعين الأفاضل، بخلاف الرجل الكبير، إن تأخر أدبُه، لا تزكيه العامة بَلْهَ ذوي الألباب.
إذا تلاحمت الأخلاق الإنسانية فينا، بنينا حضارة راسخة، وتمدنا بشريا جميلا، وما ذلك علينا بعسير، ولا على الله بعزيز.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم