الحوار وإشكالية الانتماء

للعلاقات الإنسانية قواعد إثراء الرصيد البشري، والتقريب بين الأفراد والأطراف.
والحوار أحد أدواتها، والأصل فيه التفتح، وتحكيم آلياته وضوابطه الأدبية والأخلاقية والنفسية.
للاستفادة من أفكار، ومناهج، وتقنيات، وطرق، ووسائل الآخرين، وأساليبهم.
وإذ يدعو الإسلام إليه، فلأنه يقبل العمل بالتجارب البشرية الناجحة.
لكن دون ذلك عقبات تعطل استثماره، منها عقدة الانتماء.
وهي انطلاق بعض المحاورين من ينابيع تكوينهم، والإفادة من غيرهم، ورفض البعض الآخر، لضعف الحجة، وترهل الانتماء الفكري والعقدي.
والتجربة تنبىء بوجود إشكال توظيف الانتماءات المتعاكسة، واشتراط ترك القواعد الأساسية لبدئه، أواستئنافه.
فإبليس حاور الله تعالى منطلقا من وهم الانتماء لا من علة السجود، أوتنزيه ربه، أوتكريم بني آدم.
الإسلاميون هم الطرف الصريح في الاستخراج من المنبع، دون مراوغة، للدعوة إلى محاسن الدين، ولذلك يتعرضون للصَّدِّ كي لا توهن براهينه أوهام غيرهم والعلمانيين بالخصوص.
ديدن مهزوم الحجة مهاجمة غيره، لإلجامه، وافتكاك موافقته، وإزاغته عن الأساس، وإصابته بعقدة قناعاته، واتهامه بالتبعية، لجهة، أوشخصية، أوغيرها،، لدفعه إلى الانحراف عن انتمائه، والسقوط في فخ الدفاع، والتيهان أثناء الحوار، وذهاب فائدته، عوض استمراره لبث النفع به.
فإما الإستنباط من الأصل، والتحلية بكنوزه المظنونة، ويترك الترجيح لمخرجات النقاش.
وإما التنصل منه بالموضوعية الغربية، للتشريد عن الخلفية، والانطلاق من الوهم فلا نتيجة.
حدث تخجيل المغالين في التأويل بهالة التشبيه والتجسيم في الأسماء والصفات، فزاغوا وتعددت التأويلات بتعدد فرقهم.
اتهم الرئيس مرسي بأخونة مصر، فوقع في الشراك، وبرهن على شمولية رئاسته باستقالته من تنظيمه الأصلي، لكنها لم تشفع له مع عداء متوحش، كلفه حياته.
التباهي بالتفتح، وإخفاء الانتماء نفاق فكري، يُتسلل به لاختراق الصفوف، فيسد منافذ التبادل.
الانسحاب من النقاش أفضل من تكليف المحاور النزيه بالانحياز عن أصله، أوتنظيمه بخدعة الموضوعية، ثم اللواذ بالقول، والكتابة بغير المطلوب، والاحتيال بعدم الالتزام به.
من الأمراض الروحية، المعظمة للأنا، المهينة للتواضع، رفض الطرح ذي الحجة القوية ولو نفع الدنيا والآخرة، والمسارعة إلى تكبيل الغير بالقذف، لإحداث الإرباك، وتمييع الحوار، لاختلافها مع النزوات المتحررة من الانضباط التشريعي، والالتزام المعنوي والأخلاقي. من الداء الباطني العضال الشعور الكاذب بغفلة الناس عن هذا السلوك، وهم منتبهون.
مثله يقع بين منتسبي المشرب الواحد، على أساس عصمة المذهب، والقذف المستتر، أوالصريح بالبدعة، ومخالفة السنة، لضعف فهم بناء العلم على قواعد الاستنباط، وتدرجات المناط، وفقه التنزيل، والنظر إلى المآل.
قراءة رسالة الإمام مالك إلى الليث بن سعد رحمهما الله، تبين سمو أخلاق الحوار، ورقة اللغة، وتبادل الإعذار، لاحتمال تبين الصواب عند الغير بعد حين، عوض العناوين الرصاصية، والحرب الكلامية، والألقاب الشاتمة، والتبديع المفسق.
الحوار لا يمنع سياقة الأفكار من منبتها، لكنه يقتضي التفتح، قصد الإفادة، لا قصد الصدود، والمغالبة العقيمة.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم