إذا سقط الجمل كثرت عليه السكاكين

✍ يدل هذا المثل على إذلال القوي المهاب بعد خضوع.
✅ وعلى قوة الجمل وتحمله متاعب البوادي والصحاري، والأحمال، والركوب، وصعوبة سياسته لإيقاعه وذبحه، فإن سقط لضعف، كثرت عليه السكاكين، وغُرِزَت في ظهره.
✅ وفي الرجل ذي السطوة والمنعة في قومه، فإذا ضعف، أظهر أعداؤه عيوبَه.
✅ وعلى عدي بن ربيعة التغلبي الملقب بالزير أبو ليلى المهلهل، فقد جاء في رواية ثانية أنه لما كبر سنه، وعجز عن الحرب، وخرف، أقام عليه قومه عبدين يخدمانه، وخرج بهما إلى سفر فعزم العبدان على قتله، بغرز السكين في صدره، ولم يكن يجرؤ أحد على مقابلة عينيه وهو مقاتل.
❎ لكنه لا يضرب على المبطل، الطاغية المستبد، فإنه لا بد أن يلقى عكس مقصوده بالإهانة، فلا ينطبق على فرعون، أوهامان، أوقارون ومن على شاكلتهم.
✅ وقد راعاها النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج من جويرية بنت الحارث بن ضرار، زعيم بني المصطلق، ولم يرضَ أن تبقى سبية صونا لمكانة والدها تأليفا لقلبه على الإسلام، ورفعا لها من ابنة شيخ قبيلة إلى زوجة نبي، ولم يكسر خاطره، بإيلاج سكين الهزيمة في جوفه، وهو بذلك الجلال في عشيرته.
👍 أعجبني موقف رجولي ذكره بيار سالونجر، وإيريك لوران، في كتاب {الملف السري لحرب الخليج}، بعد تدمير الجيش العراقي في صحراء الكويت، سنة 1990، وكان حاجب خيمة المفاوضات على الحدود ينزع سلاح الداخل إليها، ولما وصل وزير الدفاع العراقي، همس في أذنه قائد الجيوش الأمريكية هربرت نورمان شوارزكوف (Norman Schwarzkopf) قائلا {لا تحرجه}، ودخل بنفسه ونزع سلاحه، ليقتدي به اللواء الركن سلطان هاشم حفاظا على معنوياته وقد خرج من الحرب منهكا نفسيا وعسكريا.
👍 هذا المثل يُعْمِلُه من يحفظ حكمة {ارحموا عزيز قوم ذلَّ}، تنأى بهم الأخلاق عن إلحاق أذيَّة فيمن لم يقدروا عليه قبل هزاله.
✅ ويصدق على الحركات المخلصة التي نهضت لرد الشعوب إلى أصولها، بداية من نهاية السبعينات.
✊ بعد تمكنها الأدبي أقبل عليها معظم الناس، استنقاذا من التخلف العقدي والديني والأخلاقي، وكانت منبع الإلهام والقدوة.
👏 كانوا يفرحون بتلقي تلك الفتاوى الشرعية، بعدما كانت في سراديب المقصورات، وعلى أخشاب الرفوف، وصفحات الكتب، ودفات المجلدات المغبرة، بسبب التجاهل العمدي والخاطىء، فتركوا الربا، والتبرج، والعادات القبيحة، والبدع، وغيرها مما أنهك العلاقات الروحية والاجتماعية.
✅ وتملقوا لها حينما حكمت، ولو قليلا، فيوم الجمعة 13 جوان 1990، رأيتُ من يتقرب إلى الفائزين في الانتخابات المحلية، وعيونهم تخفي حدقة الحقد، لكن ما إن تم عزلهم حتى أُخرجت السكاكين من أغمادها.
🇾🇪 في مصر الكنانة احتفل الشعب باعتلاء الدكتور محمد مرسي رحمه الله سدة الرئاسة.
لكن ما إن تقوى الانقلاب حتى صدَّ عنه الغالبية، وتركوه يلقى مصيره، ووجهوا سكاكينهم صوبه رصاصا، وغيبة جارحة، وكأن حكمه مصر، جلب لهم الوبال.
✅ المخلصون الصادقون هم أفضل الموجود رغم نقائص فردية، فلا سرقة لمجموعهم، ولا خيانة للأوطان، ولا شيء يدير الظهر تجاهها، ولا عمالة مع الأعداء، ولا خضوع لهم، ولا استنزاف أموال الدول، ولا إهدار قدرات البلدان، ولا علاقة على حسابها، ولا غفلة عن حاجات المواطنين، ولا اعتراف بالكيان الغاصب، فإذا أفل نجمهم أَوْغَلَ المتربصون سكين الغدر في صدورهم.
حضرتُ درسا للداعية الأستاذ عبداللطيف سلطاني رحمه الله في مسجد النور بالمدية، وذكر غرس الناس سكاكينهم في ظهور الدعاة حينما يؤذون، بالكلام الجارح، والعتاب، واللوم، عوض نصرتهم.
🇹🇳 في تونس شعر المواطنون بتفريج عظيم بعد نيل النهضة أغلب مقاعد البرلمان، لكنهم انقلبوا عليها فور إعلان قرارات قيس سعيَّد مباشرة، بالزغاريد، والاحتفال الليلي، وأجراس السيارات، رغم الوباء، ودكَّت خناجر التهم الباطلة عفتهم المعروفة.
✅ إن الشعوب تتحمل مسؤولية كبيرة عن تطرف بعض المخلصين، وخروجهم عن الاعتدال والوسطية بسبب إدبارها وانصرافها عنهم، وخذلانها لهم، ونكوصها على الأعقاب، وإثخان جراح السكاكين فيهم، بعدما كانوا في لاوَعْيِهَا أسودا ترجى حمايتهم.
⁉️ سيتساءل كل مخلص بحرقة، وحيرة، عن القوة المساندة المستترة، ومكان اختفائها، مع علمهم أن رفضا شعبيا واحدا سلميا قويا كان سيذكر بخطر المساس بهم على الأمة.
✅ إن تصريح السيد راشد الغنوشي قائلا: {هناك فرصة للإصلاح والتعاون مع خطة الطريق التي انتهجها الرئيس}، دليل على تراجعه بعد فقد الأمل في شعب ينتخب، ثم يدمي بالسكاكين أسنمتهم.
⚔️ إن الجمل إذا غُدِرَ بسكاكين الجراح فوقه يعرضه للعفن وتداعي الكلاب على جثته، وكذلك اسثمار بعض الحكومات في الوضع، فصدقت مقولة {قتلوا أسود بلادهم، فأكلتهم كلاب أعدائهم}.
⁉️ فهل وجب على المخلصين الأسود مراجعات ترسم لهم سبل المضي ولو كانت لحومهم تقطر من دماء فجرتها سكاكين السقوط؟
🤚 إنَّ على الأنظمة النظر الدقيق في تحليل الواقع، والمستقبل، وفي حقيقة ولائها لأوطانها، لا لغيرها.
✅ وتقريب المخلصين من كل الطوائف الفاعلة لإخراج البلدان من العفن الحاضر، ولو بمصالحة تلغي واجب رد ما عليها، إلا بالمقدور الموجود.
✅ والتخلي عن عادة الانتقام التي لن توصل بعيدا، بسبب الندية المريبة المعدمة للثقة.
فما لم تلتحم مع أبناء أوطانها ستسقط كالجمال، وستغور في أعماق ظهورها السكاكين ⚔️.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم