الفتنة بين الحقيقة والوهم

✍ الفتنة شاملة لجميع نواحي الحياة، وهي اختبار، يثبت به البعض، فيفوزون، وينهار به آخرون، فيخسرون

وقد يقصد بها حالة الاضطراب العقدي والاجتماعي ينجو فيها اللبيب، ويغرق بها السفيه دينا ودنيا.

وأكبر فتنة تكون في الدين، لأنها تربك علاقات الناس بربهم.

قال الله تعالى (... وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ...) سورة البقرة من الآية 191.

فإشغال الناس عنه بأي أسلوب، أشد عند الله من القتل.

وقد وجدتُ كل كلمات "فتنة" ومشتقاتها في القرآن تشير إلى الدين تصريحا وتلميحا.

إلا أنَّ خللا كبيرا في فهم المصطلح عند الكثير، استغل بشكل سيء، ومخادع.

فاسْتُخدم في التمكين للأهواء، مع رجاء السكوت عنها، لئلا تتوقف المطامع.

فمحاربة الفساد، والدعوة إلى تحكيم الشريعة، وحثُّ الناس على الاعتصام بحبل الله، والتحذير من الانقسام، يوصف وهمًا بالفتنة.

حتى قريش ضللت الناس بالفتنة حين صدَّت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى دين الحضارة والإنسانية.

كثير من الفتن الحقيقية خرَّبت العمران بالتخويف من الفتنة الوهمية.

قال الله تعالى(وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي، أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) سورة التوبة 49.

الإيهام بها تستغفل به الأذهان، لتوسيع دوائر الجرائم، والدفع نحو السكوت بشبهتها، إلى أن تتصدع الوحدة ونصحو على الأطلال.

إن الفتنة الحقيقية التي تقتضي الحذر، وعدم السكوت هي ما عرَّض العقيدة، والأخلاق، والأنفس، والعقول، والأعراض، والأموال إلى الإهانة والاضطراب.

فنصر القيم، بالوقت، والأسلوب، والمقام المناسب ليس فتنة، بل درءٌ لها، لأن الإسلام جاء لجلب المنافع وتكميلها.

والنهي عن عقوقِ دين الله، ونشرِ البدع، ونقضِ الفضيلة، وبثِّ الفواحش، وهدمِ المساجد، والرقصِ داخلها، وذبحِ الإمام في المحراب، وقتلِ إنسان، وسحبِه، وحرقِه، والاتهامِ المحرم، والمساهمةِ في الإفك، والإعانةِ عليه، وقذفِ الأبرياء، والكلامِ عند الإنصات للقرآن، والحديث، وأثناء التحقيق الأمني، ليس فتنةً، بل درءٌ لها، لأن الإسلام جاء لدرء المفاسد وتقليلها.

الحركة العنصرية في الجزائر تسير بخطوات خطيرة، تتغول على القيم الوطنية، تحت غطاء التخويف من الفتنة.

لا للسكوت على فتنة يقينية، خوفا من فتنة موهومة.

إن على الصالحين الوقوف ضد السفاهة، للعودة إلى الرشد، أثناء الهرج والمرج، وإلا تمكنت الفتنة اليقينية، وقطَّعت أوصال المجتمع.

العطب في فهمها يزيدها بطشا، فترك النار تلتهم البسيطة، أوالمصطدم بسيارة واقعا على الأرض، أوالمتخاصميْن يتلاكمان، أوالجاني يجرم، أوالعمالة تنخر الوطن، أوالتاريخ يزور، وغيرها، بشبهة الفتنة حماقة عقلية، وسدُّ بابها هديٌ وليس فتنة.

إن هدوء والد جمال بن سماعيل بعد جريمة الوحوش، وتفويض السلطة في استرداد الحق والعقاب، هو الإدراك الصحيح لمعنى فتنة حقيقية كانت ستفني المجتمع لو أعلنَ حرب الثأر.

ونشر صور وحشية الغدر، هو الفعل المناسب في وقته السريع، ولو توهمه البُلَّهُ فتنة.

كشفَ الأستاذ أبوجرة سلطاني ملف الفساد زمن بوتفليقة، لكن وهم الفتنة طواه.

أتمنى من الناس تقدير الأمور بعلم، للمساهمة في تهدئةِ الغوغاء، ولو في قمة الغضب والهيجان، وسدِّ الاحتقان، ورصِّ الصفوف، وإرشادِ الضالين، والدلالةِ على المجرمين، والفعلِ الإيجابي، وغيرِها، تجنبا لفتنة حقيقية.

ويناط الأمر بأهل العلمِ والحكمةِ والحكمِ والوجاهةِ الصالحين، فإن لم يهدؤواالنفوس وقت السورات، ولم يضيِّقوا عليها، فلا حاجة لعلمهم، ولا حكمتهم، ولا حكمهم، ولا وجاهتهم، وسيسري لهيبها في القلوب، وستتميز أوهام الفتن من حقيقتها، ولا ينفع الندم.

فالفتنة نار لعن الله من أوقدها، لكن بارك الله فيمن أطفأها.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم