المعطيات الوهمية والأحكام السياسية:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ» رواه أحمد، والبخاري في التاريخ الكبير، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، بألفاظ مختلفة.

قد لا ينصف المتحزب، لأن رداء الزعيم والشيخ يحجب عنه الضوء، وقد لا يضع ذهنه في الخارج يوما، فلا يرى الصورة بحقيقتها، وقد لا يتعاون مع غيره، خشية سطوعه على حسابه.
لكن المتحرر، يرى الزوايا المختلفة، يدير العلبة ليعلم أمستطيلة هي أم مربعة، أومثلثة؟
قد لا يجهر المتحزب بصواب غيره، لاعتبارات منها الزعامة المريضة، لكن الحر يمكنه الصدع بكل ما يلوح من صواب، أوخطأ.
أسجل بكل أسف توريث كثير من هذه الأدواء من الخواص إلى العوام، بل جل القيادات يفرح بانقياد العوام نحو نديته ضد غيره، لرفع سهم إمرته، حتى لو علم خوضهم بدون حجة ولا برهان.
لم يلفت أحد الانتباه مثل حركة حمس، التي شاركت في الانتخابات التشريعية، ورغبت في الاستوزار، ثم رفضت.
لست مناضلا في حمس، ولا في غيرها، وقد أخفي بعض ما أخالف فيه قائدها، لكن لست ممن يعارض وفقط، أويساند وفقط، إنما مع مدح المحسن، وتنبيه المسيء، وضد الخوض بدون معطيات كفيلة برجحان الادعاء، ولو على نفسي، ولا أوافق انغماس عامة الرويبضات في شأن أكبر منها.
ولا أغازل بمقالي هذا استرضاء للحركة كي تحضنني تحت أجنحتها.
لا أدعو إلى موافقة أي موقف من المشاركة في الحكومة، لكن لا أحب أمرين:
1/ تدخل الدهماء وسوقهم من قبل مرتزقة السياسة لضرب المصداقية بدون حجة.
2/ ضجة فردية، أوإعلامية تحاكي صليل الإناء الفارغ.
لكن أَحبُّ شيء إلى العقل والمنطق والحكمة هدوء البرهان الواقعي، والصحيح المعلوماتي من مصادره.
يؤلمني انسياق محبي التيار الإسلامي وراء هراءات كثيرة بدون دليل، مصدرها أعداؤه كالجثة تسحبها مركبة تعذيب تمزق جسدها، وتغبر حواليها، تؤلم البدن، وتغيض الرائي.
يؤلمني الضحك على محب الإسلام وأهله يصف حمس بالتخابر، وهي التنظيم المؤسس للذود عن الإسلام، والتمكين له، ولو مع أخطاء جزئية أثناء الطريق ليس هذا مقامها، وعندما يستدرج في الحديث تجد كل خبره بركا عكرة من علمانيين وغيرهم يلطخون كل تنظيم وسطي معتدل، يتمنون تطرفه ليبنوا عليه سطوتهم، يجيدون تأطير الطبقة الوطنية لمصالحهم.
تابعت بإمعان دقيق ندوة الحوار التي ينظمها الأستاذ محمد يعقوبي كان ضيفها يوما السيد عبدالرزاق مقري، فاستمعت إلى رجل يصدر من منبع شلال، يرمي بحديثه إلى البعيد، ينظر إلى اليوم من علٍ، ويحدق بعينيه نحو غدٍ، يكون فيه الحاكم للبلاد متدرجا عبر مسالك آمنة، مدعوما بتنظيم قوي متماسك، وقد لا أبالغ {ولست متحزبا} إذا قلت إنه المتبقي المأمول للحركة الإسلامية في الجزائر.
من دلائله حصوله على مقاعد برلمانية معتبرة رغم التزوير الذي يطاله كل مرة.
الرجل قابل السيد رئيس الجمهورية وقدم رؤية المشاركة في الحكومة، وعرضها على مجلس شوراه الذي قرر الامتناع بعد انعدام الشروط في نظر مداوليه.
القرار الذي لم يكن لغيرهم شجاعة اتخاذه، لأنهم قبلوا {وهم أحرار}، شروط المشاركة، ولم ينتقدهم أحد، بينما انهال السباب على من اشترط بكل سيادة في رأيي، المبني على معطيات من منبعها.
لكن يذهلُ العاقلَ اللبيبَ تلك النعوتُ البذيئة، لمجرد ظهور أمارات متناقضة وهما، ينساق وراءها عوام لا فقه لهم في السياسة ولا ولوج لهم أغوار الأخبار الصحيحة، ويستغلها للأسف قيادات أخرى سنحت لهم فرصة النيل من الخصم، أوالمنافس، ولا أراه من الأخلاق الحزبية السياسية.
وإذا كان ليس كل ما يعرف يقال، فليس كل مَغِيبٍ يُدَّعَى.
قد تحلل، أوتناقش، أوتحاول التفتيش، لكن لا يحق لك الجزم بما ليس يقينا، أوليس دليلا.
فليرتقِ كل ملاحظ، خائض في الشأن الوطني إلى مستوى الحديث بحججه، وهدوئه، في عبابه الصافي، إلى مراميه الصائبة، ولو بالمخالفة، والمضادة، المثرية، لا المهشمة.
فهل ندعُ سفه الصغار لنصل إلى أخلاق الكبار؟ أصحاب في رأيي، في تقديري، في نظري، الله أعلم،، وغيرها؟
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم