مبادرات السلطة والخطب المسجدية

كان منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في السبعينات علما على قرارات السلطة ومبادراتها، بالصواب والخطأ، وكنا نسمع الإفتاء الديني للمسار الاشتراكي الذي لا رجعة فيه حينها، رغم تمعض الطبقة المثقفة المتدينة من ترسيم منهج شيوعي من قبل هيئة إسلامية، باعتبارها فرعا رسميا.
ثم أفل نجمه بنهضة الصحوة الإسلامية بين الشباب، إلى أن أدير الظهر شطر المنهج الاشتراكي، وأصبح متراجعا عنه، والصحوة تضغط بقوة على السلطة، لإحلال أحكام الإسلام في الممارسات الرسمية، كمسألة الربا، والحجاب، وتعليم العلوم الإسلامية، وكثير من حسناتها في الجزائر التي أثرت نفعا على العموم.
أريد مما سبق القول إن المبادرة ينبغي أن تصدر من حامل لواء التدين، ومنه إمام المسجد، بطرح الحلول، أوالنشاطات الاجتماعية، أوالرسمية.
فقد أصبح مزكيا لما يسبقه، مكتفيا بمواضيع الوعظ في غالب وقفات المنابر، وشيء من التناغم مع المناسبات المختلفة كقضية فلسطين، ففرض الإمام الأمر، وواجب الحاكم الاستجابة.
لقد تمعضت شيئا ما من خطبة يوم الجمعة 15 ذو القعدة 1442هـ الموافق لــ 25جوان 2021م، التي كان موضوعها على ما يبدو لي وطنيا، يدعو إلى المساهمة في حملة النظافة.
إن هذه الخطبة في رأيي كانت ضرورية لمواكبة المبادرة الطيبة من قبل السلطة، ولا أنكر على الأئمة برمجتها، ولو من باب {ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت} كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول، لكن وددت لو برمجت قبل هذا اليوم لتستجيب السلطات المحلية في كل منطقة، ثم تشكر على المنابر، لا أن تُزكَّى بعد سبقها، وبذلك يكون الدين وتشريعه رائدين رئيسين لا مرؤوسين.
ولننظر إلى الفرق بين الإمام الذي لم يحرك ساكنا في مسألة الهلال، وروح المبادرة عند الصحوة الإسلامية بالدعوة والإلحاح لتحكيم رؤيته واستجابة السلطة ولو بعد حين.
إن منصب إمام مسجد، يفرض ومن موقع فضائي مستوعب، إلقاء نظرة اجتماعية فوقية كل أسبوع تري له كل شيء على حقيقته، ليأمر بما هو أحسن، وينهى عما هو سيء، ويقترح ما هو فعال على مجتمعه، فيكون مصلحا حقيقيا من مصدر الواقع المشاهد.
من منافع هذا الرأي في نظري: 
1/ كتسابه المهابة والقيمة الرفيعة بين قومه.
2️/ يصبح مصدر التزام بدون أمر، واتقاء بدون نهي، فمجرد وجوده حسبة شرعية.
3️/ يصبح مصدر إلهام اجتماعي.
4️/ يقفز من رتبة الصالح إلى رتبة المصلح، وهذا هو دور الإمام المستلهم من الأنبياء والرسل.
5️/ الترقية إلى مصاف القيادة الاجتماعية، إضافة إلى الروحية، وقد يعلو على  القيادات السياسية والحزبية، لأنه مواكب اجتماعي يومي، والآخرون مواكبون موسميون فقط.
6️/ التمكين لمصطلح الدعوة حقيقة وواقعا، إذ يصبح داعية لا مدعوا.
7️/ الترصيص بين الدين والمجتمع، ومحو آثار الفكر والواقع اللائكي المبني على إبعاد الدين عن الحياة العامة.
لذلك أنصح سادتي الأئمة بمواكبة التطور العلمي والمعرفي والثقافي لدى غالبيتهم، حتى لا يتأخروا في هذا المجال، ويحرموا التأثير النافع على الشارع، والبيت، والسوق، والمدرسة، والعمل، والمصنع، وتكون الأمة مستلهمة من إشعاع الإمام.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم