في مطبة قناة الحياة

لقد خبرت في بلادي بعض المستكبرين على المستضعفين، يتعالى على الجميع علما وفهما، يلغي غيره بانتفاخات استعلائية.

لقد قرأت بالتفصيل والتمعن بيان مدير قناة الحياة حول الاستنكار الشعبي الواسع وبعض الرسمي ضد اعتداء ضيفه على ذاكرة وعقيدة ولغة المجتمع الجزائري ماضيا وحاضرا بعنصرية شديدة مقيتة.

أول ما بدا لي فيه في أحسن الظنون أنه مجرد فرار من الاعتراف، والتوبة، والعودة إلى الأحضان الشعبية.

لقد أهان حرصَ الشعب الجزائري على قيمه بشكل مفضوح، لأنه في سفهه لا يعدو كونه تعليقات افتراضية في مواقع التواصل الإلكتروني، رغم إدراكه الفعالية القوية لها.

لكن المخطئين في حق الأمة الجزائرية يبررون الخطأ بالخطأ كما عهدناهم، لأنه في رأيي لو لم يؤلمه الهجوم الكبير في تلك المواقع، ولولا خشيته سوء المنقلب، لما أقدم على نشر بيان توضيحي.

لقد برر مدير القناة سلوكه باحترام حرية الرأي، مع أنه لا يوافق عدو الإسلام والعربية والأمير عبدالقادر وبومدين والشهداء في نظرته، لكنه لا يستطيع  منعه منه على حد قوله.

لكن منح حرية التعبير لا يكون في قضايا الثوابت المجمع عليها تاريخا وعقيدة، وإلا تعرضت للنسف، وانهارت قيم المجتمع، فهي مسائل وقع عليها الإجماع الوطني، فارتقت إلى القطعي.

الأمير عبدالقادر وميصالي الحاج وغيرهما من قياديي ثورة التحرير من الشهداء والمجاهدين المخلصين، قيمة ضرورية عقدية حضارية ثابتة في ذاكرة وضمير المجتمع الجزائري العلمي والثقافي والسياسي والنضالي.

فلماذا يدعي تقديس الحرية مع تجبره في حصص كثيرة مع ضيوفه واستبداده بالكلمة؟ خاصة ما تعلق منها بالحركية السياسية بين الشعب والسلطة؟

قد يسمح الجزائري بنقاش مسائل فرعية كالتخطيط، وبعض النظرات السياسية، والحكمية، وغيرها، لكن لا يرضى تخوين رموزه التاريخيين.

إن مدير القناة ادعى عدم قصده الإساءة إلى ثوابت الأمة، إلا أن الهدف قد لا يبرمج، لكنه يصاب، وهو ما لا يعفي من المساءلة الشعبية والرسمية.

فالحوار في مثل هذه القضايا، لا ينبغي النظر إليه من وجهة واحدة، لأن نتائجها لا تعدو مراتب الخطأ والشك والظن، ومنه إثارة الفتنة الداخلية والتناحر والتطاحن الداخلي، والإساءة إلى أبطالنا. 

غير المسلمين يصنعون من خونتهم أبطالا، ونحن نحول مجاهدينا إلى أراذل، وفي هذا يحضرني ثورة الشيخ محمد الغزالي في أحد ملتقيات الفكر الإسلامي على المتكلمين في رموز إسلامية مثل الأفغاني ومحمد عبدو وغيرهما، وهذا هو سبيل إخواننا متلبسي السلفية للأسف.

لذلك كان الأحرى به استشارة مؤطري القناة  على الأقل حول استضافة العنصري، قبل الوقوع في هذه المطبة.

أما قوله {وفي خضم هذا الجدل المثار بسبب المقابلة، أغتنم هذه الفرصة لأؤكد احترامي التام للقانون وأخلاقيات المهنة  وحرية التعبير والكلام، في إطار القانون والمسؤولية، وهو ما أسعى دائما لاحترامه وتجسيده}.

فكان في غاية التناقض لأن الاحترام ينبغي تجسيده وقعيا، وهو ما لم يحدث، بل شعر كل متابع بطعنات تنكرية، والنية الصادقة لا تبرر الخطأ الجسيم.

وقوله {ويتحمل السيد نورالدين آيت حمودة  وحده مسؤولية ما قاله بشأنهم} أعتبره هروبا من المساءلة، وتوريطا للعنصري، وتركه يلاقي حتفه، والأعراف الإدارية تقضي بالغض عن كل ما لم ينكشف، أما العكس فكل يقذف غيره لينجي نفسه، وهو ما يفعله لإنقاذ جريرته.

أسائل مدير القناة وضيفه العنصري الحاقد على كل ما يمت إلى الإسلام والعربية بصلة، بماذا يغنينا نبش القبور الغابرة، وحاضرنا لا ملمح لنهضته، إلا إذا أضاء الله بنوره على هذه البلاد؟

وقديما سئل الإمام الحسن البصري رحمه الله عن شيء مما حدث بين طائفتيْ علي ومعاوية رضي الله عنهما، فقال: تلك فتنة عصم الله منها دماءنا فلنعصم منها ألسنتنا.

أم أن قبالة الحصة مقصود خفي؟

وأسائل كل من سلك سبيله، أووافقه، لماذا تنطحون الجبال، وتزبدون وترغون وتحاولون ابتغاء نفق في الأرض أوسلم في السماء إذا تناول فرد أحدَ محبوبيكم جرحا حقيقيا بالحجة والبرهان؟

لماذا أجد من يتهم غيره بالعنصرية إذا جَرحَ مشاكلا له، ولا ينظر إلى جرمه  إذا ثَلَمَ عرض غير عشيرته؟

هل هذا من العدل، وعموم حرية الرأي؟

وفي الأخير أرجو من كل جزائري غيور على وطنه أويدعيها، صيانة سمعة رجاله، ومجاهديه الصادقين، وشهدائه الأبرار، وعلمائه، ومفكريه المخلصين، الجامعين لمعاني الوطنية، من اللمز والهمز والسخرية والهزء من قبل شراذم يبغونها عوجا ويفسدون في الأرض بغير الحق.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم