صياغة الأسئلة بين التجديد والتقليد

كلما نشرتُ نماذج أسئلة مادة العلوم الإسلامية، إلا ويتفضل عليَّ بعض المطلعين بتنبيهات حول طبيعتها، ومخالفتها دليل صياغة أسئلة امتحان البكالوريا في بعض الجزئيات، بنقص أوزيادة، رغم المحافظة على الطابع العام.

فأوليت أهمية لكل ما وصلني من الإخوان والأحباب في ذلك، واتخذته سانحة للبيان.

ولفائدة المزاوجة بين الأصول، والبناء عليها بالتحسين، فإن دليل بناء أسئلة الاختبارات بحد ذاته شيء جديد، مطور لما قبله، يشجع على المضي في السبيل نفسه بتحليته، أوإلغائه، فما هو إلا اجتهاد بشري قد يصلح لزمن دون زمن، وليس من الثوابت.

وللتوضيح، فإن نظرتي لما سبق تكمن في الأسئلة، وسلم التنقيط.

أ//سلم التنقيط:

أرى أن الأسئلة كلها على وزان واحد، ولا يطرح منها شيء إلا لقيمته، ولذلك لا يروق لي تفضيل بعضها في التنقيط، فأجدني أمنح للإجابات علامات متساوية، والهدف هو:

1/ تحقيق المساواة، واطمئنان  المختبر لو اختلفت إجاباته بين صحيح وخطأ.

2/ تنبيهه إلى أن كل الأسئلة ودروسها بدرجة واحدة، كي يهتم بها كلها، ولا يفاضل بينها، فقد لاحظت كثيرا من الطلبة والتلاميذ، يستهين بما له علامة أضعف.

3/ منح راحة ذهنية ونفسية للمصحح بتجنب مشكل الصحيح والكسر في الجمع الأخير.

4/ تدريب الأستاذ على ضبط الأسئلة لضمان توازنها.

ب// الأسئلة:

إذا لاحظنا طبيعة الأسئلة المطروحة عند مختلف السادة الأساتذة وجدناها على شقين:

أولا/ الأسئلة المباشرة:

التي تطلب معلومات تلقاها الطلبة،  لردها إلى مصدرها التعليمي ثانية، اذكر، عرف، ماهو السبب، ما هي شروطه، ماهي أركانه،،، وغيرها.

لكن هذا النمط في رأيي يغلب عليه مفاسد، منها:

1/ التشجيع على الغش الذي ابتلي به طلبتنا، لضعف التكوين الروحي والعقدي والأخلاقي في البيت والشارع والمسجد والتعليم.

2/ جلب عراك كبير بين الممتحن والحارس، ووقع هذا كثيرا في امتحان شهادة البكالوريا، والمتسبب هو لجان طرح الأسئلة.

3/ الحصول على نتائج مزورة دون حقيقة علمية واضحة.

4/ مساهمة السائل في الغش.

5/ تساوي العامل والمهمل، وانعدام القياس العلمي الحقيقي، بوجود علامات كلها مقبولة، عند الصادق والمحتال، والذهول عن التقويم الصحيح.

ولقد صرحت لتلاميذي أنني:

لست مستعدا للمساهمة في إيهام المجتمع بعلامات ليست حقيقية.

لست مستعدا للمساهمة في انحطاط مستوى التعليم، بأساليب تقويم وهمية.

لست مستعدا أن أعادل من بات مراجعا، بمن بات نائما، ليغش يوم الامتحان، وينال مثله.

لست مستعدا أن يرقى التلميذ المعالي دون عزيمة وجدارة.

ثانيا/ الأسئلة غير المباشرة:

المحتوية على طلب العلل، والحكم، والاستنتاجات، والتطبيقات الكثيرة للدروس المقدمة، وطلب ربط الأدلة بمدلولاتها، والعكس، والمقارنات، وربط بعض الأسئلة بما قبلها.

ومن نتائجها النافعة غالبا:

1/ المقارنة العلمية المعرفية بين المختبرين. 

2/ التقويم الصحيح.

3/ توزيع العلامات على الكل، فيظهر بها الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات.

4/ دفع الطالب والتلميذ نحو التركيز أثناء الدروس المقدمة، والانتباه، ودوام الحضور، وتجنب الغياب غير المبرر، والحرص على نقل الدرس في حال الغياب.

5/ تنبيه التلميذ والطالب إلى ضرورة الكد والنصب، وأن العلامة ليست في متناول كل من هب ودب.

6/ دفعه نحو المزج بين المحفوظ والمفهوم.

7/ تثبيت العدل عوض المساواة المغشوشة.

8/ واقعية التصحيح لصالح الممتحن، بسبب الأسئلة الدقيقة والتطبيقية والمتطلبة إجابات واضحة.

9/ تجنب التصحيح الجزافي  العمومي، خاصة لفقرة شرح مضمون معين، مثل مادة الفلسفة، أوالتاريخ، أوالأدب، أوالعلوم الإسلامية.

10/ منح راحة ذهنية ومعنوية للأستاذ، ليعود نفع التصحيح إلى الممتحن، لأن التعب سينهي العمل بإرهاق ينقص من قيمة الدقة والتحري.

ورغم وضوح هذه المنافع، إلا أن شرطها هو:

1/ دقة صياغة السؤال، وتوخي الحذر كي لا يضر ببعض الممتحنين.

2/ ارتباطها بالمنهاج والبرنامج المدرس.

ولذلك أرجو من السادة التربويين والمفتشين والقائمين على التعليم والتربية الاكتراث بالتجديد في هذا المجال.

لأن الطرق المتداولة عبر التاريخ التعليمي ليست قرآنا ثابتا، فلا يجب التقيد بها، ولا يحرم الخروج عليها.

والتعليم ينتظر منا العمل على ترقية مستواه، بكل أسلوب جديد.

فكثيرا ما نلقي بالعتاب على جهات خارجة عنه، كالأولياء والمنظومة الاجتماعية، والسياسية، ونتناسى العامل الداخلي، العلمي، فقد حان وقت الإعراض عن تدليع التلاميذ، ومنحهم النجاح بلمحات بسيطة في الامتحانات، وشراء السلم الاجتماعي بهم، دون جهد معتبر في التحصيل  والفهم.

ولابد من نفض خزان التلميذ لنخرج ثمرات دروسه، ويؤهل لحمل أمانة الوظائف الكبرى في البلاد، بتطابق العلم والشهادة، كما ونوعا، والواقع يشهد لتخرج الكثير بتكوين قليل، وتقويم بسيط، إلا من رحم الله.

وآن وقت وعي الأولياء بضرورة تخريج دفعات علمية نافعة للبلاد، والتوقف عن الضغط على المؤسسات لضمان انتقال أولادهم بسهولة، ودون معايير  دقيقة لإمكانياتهم المعرفية.

بذلك يمكن لنا الافتخار بمستويات دراسية عالية مقتدرة، تنافس القوى العلمية والبحثية العالمية، حتى ولو انخفضت نسب النجاح ك 21%،  لسنة 1982.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم