الإسقاطات الشرعية على الانتخابات التشريعية

استمعت إلى جانب من مداخلات بعض قيادات الأحزاب المترشحة لتشريعيات12جوان 2021م، أثناء ندوات الحوار التي ينشطها الصحفي محمد يعقوبي وفقه الله، فرأيت إسقاط النصوص الشرعية على مواقف الانتخابية.
من ينتصر لحزبه بآيات قرآنية وأحاديث نبوية.
من ينسب أوهاما للإسلام، كما فعل أنصار المذاهب الفقهية، والفلسفية في عصور الانحطاط، للتدليل على أحقية الاتباع.
مرده في رأيي إلى استهداف العاطفة الإسلامية للشعب الجزائري، إلا القلة من العلمانيين المستنكفين عنها في عموم الحياة، وهي الدوائر التي تتخوف كثيرا من التأصيل الشرعي للسلوكات السياسية بسبب الانسياب الشعبي الطبيعي نحوه لأنه يمثل فطرته.
لذلك تعمل جاهدة على إبعاد الصبغة الإسلامية للعمل الحزبي والسياسي، خوفا من انفضاض الشعوب عنها، وطمعا في وعاء انتخابي إضافي.
وقد نجحت في ذلك بالضغط على السلطة القائمة حتى قرر دستور 1996 منع التسمية الدينية والجهوية واللغوية والعرقية للتنظيمات الحزبية، فكان التنفيذ على الإسلاميين، دون غيرهم، والأدبيات شاهدة.
لكن من باب العدل ولو مع ذي القربى والله تعالى يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِالْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْفَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْتُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135).} سورة النساء.
فإن بعض الوطنيين والإسلاميين يخطئون الإسقاط الشرعي بوحييه على التصورات والطروحات في الخطاب الشعبي بالخصوص، ولا يصيبون الرمية في كثير من الأحيان،يتبادر منه نية الاستعمال عوض إرادة الدعوة والتمكين، وهذا ما دفع العلمانيين إلى توظيف مصطلح {استعمال الدين}.
كاستعمال وَهْمِ الرقم 07 دينيا، عند قيادة جبهة التحرير، التي حاولت دغدغة المشاعر استبشارا بالسبع المثاني.
ونسبة الحلال والحرام إلى المواقف السياسية الحزبية بيقين عوض الاكتفاء بمجرد الاجتهاد الظني القابل للأخذ والرد.
واستعمال أحد المترشحين سابقة حجه بيت الله الحرام، واعتماره، وكأنها معيار كفاءة التشريع داخل قبة البرلمان.
وإسقاط دليل الطاعة، وصفة أمير المؤمنين، ومنصب الخليفة على مدير التنظيم.
وتوظيف ربع حزب من سورة البقرة ضد المناوئين، وكأنه يخاطب قوما كافرين، مشبها نفسه بطالوت الذي بقي معه مثل عدد مجاهدي بدر.
وخروج أحدهم علينا بالقول في رئاسيات سنة 1995، إنها بدعة إن لم تكن حراما، رغم ركضها في فلك الاجتهاد، بين مقتنع، ومختلف.
وتحريك الأحاسيس الثورية وشرح شفاعة الشهيد لأهله، ثم لكل المواطنين، بدل عرض البرامج الانتخابية.
لست مؤيدا لإفراغ الخطاب السياسي من الاستدلال الشرعي ونصوصه، خاصة من الإسلاميين، رغم منع الدساتير المتعاقبة، لكن حصر المصداقية في نظر واحد، يمنع حرية غيره من الفهم.
تمنينا لو أن الدساتير اشترطت على الأحزاب البرنامج المستنبط من التشريع الإسلامي، بحكم أننا شعب مسلم، كي تدور الأدبيات في فلكه فقط، ولا غرو فإن غير المسلمين من الغرب والشرق الذي ننبهر به تتأسس كثير من أحزابهم على القيم الروحية الدينية عندهم.
ولذلك أرى من مصادر إسقاط التأصيل الشرعي على موقف حزب سياسي:
1️⃣ القيم الثابتة التي يتغذى عليها التنظيم، بأدلتها القطعية دلالة وثبوتا.
2️⃣ القياس على أمر له دليل، وسلم من الوهن، أوالمصلحة المرسلة، مع الظن الراجح لغلبة المنافع على المفاسد، لكنه لا يعدو مجرد رأي، ونظر شخصي، فردي، لابد أن يقبل اعتراض غيره عليه.
لأن القطع في الاجتهادات السياسية استبداد حزبي، وهذا لا يقول به الفقيه والعالم والمفكر المحنك.
3️⃣ القياس الواهي، بوجود الفارق، واختلال العلة، وعدم مناسبتها، وانضباطها، وظهورها، أوقلة فهم للنصوص، أوغفلة عن غلبة المفاسد على المنافع، فلا ينسب إلى الدين، كي لا يسيء المجتهد السياسي الحزبي إليه.
لقد رأينا كثيرا من مجتهدي المسلمين في الفروع الفقهية يصرحون بعد النتيجة أن {ذلك حكم الله في ظني}، ولم يجزموا بنسبة أعمالهم وبحوثهم إلى حقيقة الدين، خشية إضفاء اليقين على الرأي البشري، عكس ما هو عند البعض في زماننا.
وهذا نجم الدين أربكان بعد توليه منصب رئيس الحكومة التركية عرض برنامجا عمليا، خاليا من النصوص الشرعية، رغم أنه برنامج نابع من قناعته الإسلامية.
لذلك نريد من يقعد لنا القواعد، ويستنبط لنا البرامج من مصادر التشريع، لا من يرددها علينا، دون تحويلها إلى الواقع العملي.
فلا مكان لنصر المشاريع الحزبية بالقطع واليقين، بل بالفهم والظن، ولا يعتبر المفكر نفسه الأول والآخر والظاهر والباطن، وإلا عرَّضْنا المكلفين للفتنة بمصادرنا.
والله تعالى يقول {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)} سورة يونس.
ويقول {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)} سورة الممتحنة.
وقد استدل الإمام مالك على ما سبق بقوله تعالى { إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)} سورة الجاثية.
وعن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال {ما أنْتَ بمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إلَّا كانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً.} رواه مسلم.
ثم إن البرلمان مجلس تشريعي بمواد قانونية تفصيلية، لا بأس أن يعد المترشح أنصاره بالاستنباط من المصادر المعتمدة ومنها الوحيان وقواعدهما، دون إغراقهما في وحل أخطاء إنسانية هما في منأى عنها. عن بريدة بن الحصيب الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {وإذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فأرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ علَى حُكْمِ اللهِ، فلا تُنْزِلْهُمْ علَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ علَى حُكْمِكَ، فإنَّكَ لا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فيهم أَمْ لَا} رواه مسلم.
فالنص الشرعي يستدل به للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتمكين لأحكام الشرع في الأمة، واستنباط الأحكام والقواعد العامة منه لصياغة القوانين الموافقة للحق والعدل.
لا لنصر المذهب، ولألأته بنوره، وتقديس الأشخاص والتنظيمات، وسكِّ السمت الروحي على مواقف لا تتعدى الجانب الاجتهادي.
فليختر السياسيون والمتحزبون أي السبيلين ينتهجون.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم