الاحتجاجات بين المعلوم والمستور

قد يتساءل الكثير عن سر الاحتجاجات والإضرابات المتفطرة، أوقل منذ اعتلاء السلطة الجديدة مقاليد الحكم في الجزائر، وسر الاحتقان بين نقابات مختلف القطاعات ووزاراتها الوصية، والتشنج المعنوي، والشد المتبادل، والتقابض البيني، مع أن مبرراتها ملفات واتفاقات قديمة لم يفصل فيها عمليا، أومنها  مطالب جديدة فجرتها احتياجات حديثة، ومنها ما تسببت فيه حوادث مفاجئة، كالاعتداء الجبان على أستاذاتنا في قطاع التعليم هنا وهناك.ولعل ما يؤرق عقول المفكرين والطبقة المثقفة والمحللين، وقوع الأغلبية الكبيرة من قطاعات الاحتجاجات والإضرابات قبالة رداء لا يعبر سوى عن ظاهر يخفي المستور.
إن كان الثور لا يعلم ما يخفيه الستار الأحمر، فإن موظفي القطاعات، يؤسف لهم عدم  التفكير قبل الإقدام، وتقصي هوية المحركين.
كطبيب يبدأ فحص المريض قبل معرفة الدائرة الضيقة المساعدة على التشخيص. 
أوكمن لا يفكر في أسباب وعكته، كي يضع الطبيب في صورة قريبة من  الفحص. 
أوكتلك السنارة التي لا تدري من يحملها ولا ما يقتنص بها.
أوكمن يجيب مستفتيا قبل معرفة ملابسات المسألة.
أوكمن يجيب سائلا قبل معرفة علمه من جهله.
دخلت مرة المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة، فصليت ركعتي تحية المسجد، وشخص يشير إليَّ بالجلوس،  لكنه عندما كرر عليَّ العتاب بعد الخروج من المسجد، لم أجبه قبل أن أحاول معرفة علمه من جهله  للمسألة.
لقد تعود البعض على تعفين الأوضاع للاستثمار في مشروع التصفية والقضاء على التلوث، ونيل المقابل الوافر.
بل هناك حروب نشبت لهذا الغرض، والمتعادون يقتتلون على سراب.
إنني مع الاحتجاج ضد المس بكرامة وشرف الأستاذات، وأنا مع المطالبة بإعدام ميداني للفاعلين المباشرين، ردعا لكل مفكر في مثله، أوعمل سيء مشابه، وثمنت تنظيم اليوم الاحتجاجي دعما لذلك.
لكن بينت لثلة منهم ضرورة المطالبة بكشف الرؤوس المدبرة، المهيئة للمشهد كسنارة اصطياد في يوم غائم كي لا تفضح، هي ولا مراميها، لأن العقل المتدبر لا يصدق انعزال هذا العمل في فترتين ومنطقتين.
ولأن تحديث الاحتجاجات كلما جد شيء منتهك لشرفنا، دون سبر أغوار العُصَبِ، سيبقينا تحت مجهول خلف ستار خشبة المسرح، نصفق لأحداث المسرحية، أونتأثر بها، لكن لا ندري من هو مدرب تهييج مشاعرنا يجرحها ويضمدها.
لو توقف الأمر عند التضحية بمشاهدي مسرحية لهان، لكنه دهليز آخر، والتضحية فيه بمستقبل وطن، سنجده بجهلنا تحت وطأة قضاء مآرب، وصفقات مادية، أومعنوية، أوقيمية، أوإيديولوجية، أوغيرها، يكون الاستيقاظ من لغوب الغضب ثقيلا جدا، لأن النفوس قد كلت، واللاعبون اختفوا، ومجرى القانون سرى، والحاث نال النصيب المقبول من الفريسة الخارجة من تحت غيم النهر الملغم.
لست مؤيدا لهذه السلطة،، لما أراه مثل جميع المواطنين من التواء في الأداء، وانتكاسة عن المأمول.
لكن المراد هو ليُّ الأذرع، وتشابك الأيدي، فإن الذراع لا يلوي نظيره إلا بالعضلات المضافة، والمقويات المتناولة، فكلٌ يستعمل ما يتاح له قدر الإمكان، ولن يكون الفطن الحذر عاقلا إن اكتفى بمشاهدة جولات الملاكمة على الحلبة، دون معرفة الأنصبة منها.
إن من البلاهة التأثر بالطاولة المهشمة التي يسقط عليها الذراع المهزوم فقط.
حضرت في صغري لقاء كرويا في بطولة القسم الجهوي، فاز فيه اتحاد بلعباس على أولمبي المدية بنتيجة أربعة أهداف مقابل ثلاثة بملعب الإخوة سي حمدان،، رآني خالي مستاء، فقال لي: "أنت لا تدري الظروف الخفية قبل المباريات"، ففهمت أن لابد على المناصر أن يحيط نظره بكل الظروف.
ولذلك أتساءل كيف ينظر مؤطرو قطاع التربية إلى الاعتداءات الجبانة الوحشية على شرف أستاذاتنا؟
هل هي أعمال كلما تكررت استئنف الغضب، كما تتكرر الواجبات الشرعية بتكرر أسبابها؟
أستسمح زملائي في القول إننا لن نفصل في شيء، ولن نقضي على الجرم، ما لم نبحث على المحرك، الذي إن حطمنا معوله، أوسنارته انقطع صيده الحرام.
يفترض أن الجزائر كلها بلد آمن، حر، مستقر، لا خوف فيه ولا اضطراب، ولسنا في حاجة إلى المطالبة بفرض الحماية لأيٍّ كان، لأنها بلد السكينة والاطمئنان.
ولذلك بدل البحث مع الوزاراة الوصية حول سبل توفير الوقاية من الحوادث، علينا تكليفها بتقرير يوافينا بالأسباب، والمحركين والمستثمرين المستفيدين، وإذا نظمت احتجاجات فلأجل هذا المطلب لا لغيره.
ومن ناحية أخرى أطالب كل من يدين لخصم أن يتوجه إليه مباشرة دون تبادل عرض السترات الحمراء، أوالتضحية بالقيم الإنسانية، ومكانة الفرد، تماما كما نعاتب الصغار حين يتشابكون فيستعمل غر منهم غيره فيعظم خطر التهارش، ويتوسع إلى عائلات وأسر متناحرة.
فما ذنب الشعب العادي، والموظف، في هذه التواثبات، حتى يرتهن؟
بهذه الفطنة في رأيي يمكن لكل قطاع السير في خدمة البلاد والعباد 🇩🇿 والقضاء على أسباب الاضطراب.
ويمكن للشعب وكل موظف الانتباه إلى صورة الطريق، والحفر المتعمدة، ليتقيها.
ويمكن له معرفة حقيقة الصراعات، كي لايكون معولا في يد مجهول  الطبيعة.
ويمكن له الارتقاء بفردياته وشخصياتها عقلا وتدبيرا.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم