المواقف من مقاومة الأقصى أسباب وعلاج

الوقائع لها دور بارز في كشف المكنونات، والنظرات المختلفة للحوادث والظواهر، والحكم عليها، وإثراء العلم، والفقه، والتجارب.
ومنها القضية المركزية فلسطين التي أظهرت مقاومتها الباسلة جلدا قويا، ودفعا باهرا للعدو، فضحت الفلسفات السياسية التي أطالت انتظار التحرير والنصر.
وإذ ترفع المقاومة راية الجهاد تصريحا، وشجاعة، أمام القوى العالمية المادية والفكرية، وأصابت تحصينات العدو، واختصرت الطريق بالردع العزيز، لا بالرجاء الذليل.فقد انبجست بسببها مواقف مختلف العصب الفكرية والمذهبية الدينية والسياسية تجاهها كمسألة جهاد باعتباره:
1️⃣
/ فريضة تعبدية استثنائية عادية في إطار التكليف الشرعي بأوقاته وشروطه، كسائر الشعائر الأخرى، واعتبار ما تقوم به المقاومة امتثالا لأمر الله بنصر الدين ورد العدوان.
2️⃣
/ عملا في غير وقته، لانعدام شروطه، وأهمها تصحيح العقيدة قبل كل شيء، وإلا فلا نصر من الله، ولا جهاد لعدوه.
3️⃣
/ عملا كان وقت النبي صلى الله عليه وسلم فقط، فلا يُفَجَّرُ ضد أصدقائنا سياسيا وديبلوماسيا ومنها دولة الكيان، وقد يظهر هذا الموقف ممن يُمْسَكُ من اليد المتألمة.
4️⃣
/ صناعة إرهابية إجرامية، تخالف المنهج العلماني، تستبدل عنده في أحسن الأحوال بمصطلح الكفاح والنضال، خشية تأثيره الروحي.
5️⃣
/ وسيلة ميؤوسا منها، بعد التشويه الذي طاله بجرائم الجماعات المسلحة، التي تقاتل الناس باسم الإسلام بهتانا، وتكفرهم، ولو أعلنوا شهادة الحق، وتلغي شروطه الشرعية المبسوطة في مدونات الفقه الإسلامي.
6️⃣
/ هاجسا مخيفا، وحاجزا نفسيا، ذِكْرُهُ محرجٌ في المجالس، والنوادي، والمساجد، والمناهج التعليمية، والمحافل السياسية، والرسمية.
7️⃣
/ مجردَ مهدر للأموال ومزهق للأرواح ومذهب للمقدرات المختلفة، ومزهق للنفوس، وهادم للبنايات، ومشرد للأسر في غزة بسبب تهييج العدو بصواريخ لم تستطع إلحاق أضرار كبيرة في الجهة المقابلة؟
8️⃣
/ مغنما للفئات المالية والتجارية والاقتصادية والمقاولاتية، تتربص به الدماء والجراح، تثيره، لنيل مشاريع إعادة الإعمار، وابتزاز الأموال على حساب الأرواح، والبنى المهدمة.
9️⃣
/ حيلة لإيران التي كلمافضح عوارها المسلمون، استغلت المقاومة لاستردادها، بلعاعة من أسلحة بسيطة تدعي بها شد أزرها، حفاظا على شيء من قيمتها لدى الطائفة السنية.
ولو بحثنا عن أسباب كل ذلك، لوجدناها متعلقة بـ:
⛔️
أنظمة عميلة، رضخت لغرب متغلب، يكره الإسلام، ويراه من أساليب ووسائل انتشاره، لفرض هيبة المسلمين.
⛔️
أعوان علميين داعمين لها بالفتاوى المعطلة له.
⛔️
قناعات علمانية.
⛔️
تجارب قاسية.
✅
مع وجود فقه سليم، ممحص، مميز بين السلوكات، والقناعات، لا يحمله إلا المحمل الشرعي الصحيح بضوابطه وأهدافه المقصودة.
✅
فالمقاومة التي تتعبد الله باعتدال ووسطية، كشعيرة تدفع بها العدوان، وتحفظ شوكة المسلمين، وتحمي الأقصى، وحروب تحرير الأوطان، كجهاد الشعب الجزائري ضد العدو الفرنسي الأبدي، وجهاد أهل الصحراء الغربية ضد المحتل المتصهين، وحروب الفيتنام ضد القوة الأمريكية الرادعة، وغيرهم:
✅
دليل على هوان أعداء الأمة حيث كانوا، فلا قوة، ولا هيبة، ولا مصداقية لمقولة{جيش إسرائيل الذي لا يهزم}.
✅
ودليل على أن شيئا يسيرا من الشجاعة يدحر الجبروت العالمي، ويقضي على الجبن الهالع، وما صعب من الأعمال إلا بداياتها.
✅
ودليل على أن لا حاجة لتطبيع، ولا ربط لعلاقات مع المحتلين للأوطان.
✅
ودليل على أن مجرد إعداد نصف ما عند العدو من أسلحة المسلمين المعنوية والمادية كافية لتبخر وهم عظمة الجيوش.
✅
ودليل على أن المبالغة في إكبار القوى المعادية للمسلمين، تهاوت بأبسط هبة.
والعلاج المطلوب في رأيي هو:
🌹
مراجعة الواقع الحقيقي غير الوهمي المخيف، واعتداد الأمة بأبنائها ورجالاتها، وتخليص شعوبها من السيطرة المذلة، والعيش تحت سلطة احتلال غاصب.
🌹
مراجعة الفتاوى الدينية المكبلة بشروط لن تتحقق إلا في فرديات قليلة، لفوات عصر الصحابة رضي الله عنهم المجمعين على عقيدة واحدة بأصولها وتفاصيلها، فتاوى مكنت للاستبداد والقهر، بأوهام وشبهات كثيرة، فكم من جيوش مسلمة نصرها الله بالصدق والإخلاص ولو كان في تفاصيل عقائدها غبش مختلف؟.
🌹
إعراض الجماعات المسلحة عن سراب الجهاد ضد الموحدين باسم الإسلام وهما لا حقيقة، لتعود الصورة المشرقة لأحكامه، ونطرد اليأس من نفوس المسلمين.
🌹
مراجعة مفهوم الثمن، الذي لا اعتبار لمقداره مقابل خذلان العدو، ونصر الدين والعقيدة والقضايا العادلة في العالم، وتحرير الأوطان من القهر الأجنبي، ووصايته.
🌹
تقصي الحقائق التي يخفيها العدو بتعتيم إعلامي، وهذا من بدهيات الحروب، لنعلم جيدا أن ما أسماه الفاشلون المخذلون{الصواريخ العبثية} هي أسلحة بسطت الرعب في نفوس الغاصبين أينما كانوا، ولو استكان الجزائريون لهذا المفهوم الخاطىء لما نهضوا ضد ترسانة أطلسية عزرت عدوهم الفرنسي الأبدي.
🌹
وعلى العلمانيين إن أرادوا المنطق وتطابق نظرتهم، وعدم تناقضها، وتجنب الكيل بمكاييل مختلفة المعايير، مراجعة تسويق أفكارهم الحاقدة، مع أن سوابقهم مع معارضيهم تشهد على الاعتقال والتعذيب والتنكيل وبتر الأعضاء والقتل والتشريد، كلما تمكنوا من الحكم.
🌹
وعلى الجهات الراغبة في استثمار الوضع ماليا واقتصاديا أن تنظر إلى ضروريات الحياة التي تعفنها في سبيل التدخل، ولتبحث عن موارد لها خارج مقدسات الإنسانية، دون تعمد النجش ليحصل لها ربح البيع.
بكل ما سبق يمكن في نظري أن تتشكل لدينا صورة شرعية واقعية معتدلة وسطية نأتي بها الأمر من بابه الظاهر، نراعي ضوابطه، وآدابه، وشروطه، نستطيع بها نصر المظلوم، وصون عزة الأمة، وحسن جوار غير المسلمين ما لم يعتدوا، ولم ينقضوا العهود والمواثيق، ولتصبح كلمة الله هي العليا، كي لا تكون فتنة ويَعُمُّ الدين كله لله.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم