المخرج السليم.

دعا أحد الوطنيين المخلصين إلى:
(حوار اجتماعي شامل بالجزائر مع مختلف النخب والمثقفين، وحسم التفاصيل المهمة، ووضع النقاط على الحروف، خاصة في ما يتعلق بمسائل الهوية والشخصيات التاريخية المهمة، من الضروري جدا لكتاب ومدوني التاريخ إطلاع الشعب الجزائري على تاريخه، وتعريفه بالشخصيات الوطنية ونضالها من أجل الدفاع عن الوطن والدين، لا ينبغي للسلطة ولا المثقفين ترك هذا الجدل بدون حسم، وترك هذا الفراغ الخطير للإنتهازيين لزرع بذور الفتنة والعنصرية بالمسائل التاريخية لزرع الإنقسام بين المجتمع الواحد وهذا خطير جدا ومهدد للأمن القومي.) انتهى كلام أحدهم بتصرف.
وأنا أقول بكل يقين، إن الفساد سيدافع عن نفسه إلى آخر رمق، ولن يسمح بنجاح مشروع حسن، ولو استقوى بالخارج.
كثير من الفاسدين للأسف متورطون في قضايا خطيرة جدا، أهمها:
1/ الاستيلاء على أموال طائلة جدا، من مصادر ممنوعة غير مشروعة، فهؤلاء لن يرضوا بتغيير يحارب مسارهم، ويسترجع منهم الأموال.
2/ التسبب في مآسي اجتماعية خطيرة ولن يقنعوا بالفرار، أوالتغيير، الذي سيسهم ولو بعد حين في كشفهم، وانتقام العدالة الاجتماعية منهم.
3/ الارتهان لملفات خيانة مع دول أجنبية، وفرنسا بالخصوص، والخضوع لابتزازها بتمرير مشاريعها، وإلا الفضيحة.
ورأيي في المسألة، والله أعلم بالصواب، أن يفكر الشعب الجزائري في مصلحة وطنه، وما يرجح تحقيقها، بالحوار حول إمكانية إصدار عفو شامل، كي ننطلق بشكل صافٍ، لعل هؤلاء يتنفسون الصعداء، ويجدون في البلاد ملاذا.
أ/ فإذا كانوا من ناهبي المال العام، عرضنا عليهم استثماره بالأوجه القانونية المشروعة، استلهاما من قوله تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)، سورة البقرة 279.
ب/ وإن كانوا فاعلين في مظالم المأساة الوطنية احتسبنا أمرهم عند الله، ويبقى مفوضا إليه تعالى يوم القيامة، راجين لهم الرجوع إلى المجتمع، والأوبة إلى ربهم سبحانه.
ج/ وإن كانوا خائنين مع أطراف خارجية مثل فرنسا بالخصوص، ويخشون الفضائح، فليكشفوا مسائلهم أمام الملأ، ويطلبوا العفو الاجتماعي، والغفران الرباني، وغضضنا الطرف عنهم بشرط الإعراض عن عدونا الدائم، واسترجعنا اللحمة بيننا، وسحبناهم من جسد المستعمر، وحضنه، لئلا يبقوا تحت ابتزازه، وخدمته ضد بلادهم، وشعبهم.
فهم ليسوا مجرد أفراد، بل هم عصابات يعسر الانتقال معهم إلى الوضع الطبيعي، لأنها حرب داخلية لابد من إيقافها بهذه الأساليب، ومنه قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34) سورة المائدة.
ولأننا لسنا مسؤولين عما سبق، ولا من فتحنا له مجالا، ولا منحناه فرصة.
فلماذا نتحمل أخطاء تسيب السلط الحاكمة السابقة؟
ولماذا نضيق على الوطن في مسائل لسنا مسؤولين عنها؟
ولماذا نجبر الوطن على التثاقل، بسبب استماتة الفساد؟
ولماذا نطيل عمر الانتقامات المتهايئة مكانا وزمانا؟
لماذا نحكم قاعدة كلما غلبت فئة أذلت مناوئتها؟
لماذا تدوم فينا طبيعة كلما جاء مسؤول أتى برجاله، وانتقم بهم من الآخرين؟
ولماذا نسير دوما في ركب تصفية الحسابات الشخصية، أوالفئوية، أوالمصلحية؟
لماذا نوقع أنفسنا تحت طائل قوله تعالى(كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا، حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لَّا تَعْلَمُون38) سورة الأعراف.؟
بغير هذه الأساليب، والطرق، والوسائل، لا أرى حلا في الأفق، ولا سلما، ولا قضاء على التعفن، ولا استرجاعا للوطن.
لأن الفارَّ من المحاسبة، سيبقى مستقويا بكل ما ينجيه، ولو بالخارج، وسيُسْتَغَلُّ في خطر داهم، دائم، ونبقى تحت ما يسمى في الفقه الإسلامي بالدور، أوفي الأدبيات الرياضياتية بالحلقة المفرغة.
بعد التفرغ من هذا البعبع، وخلع ثقله عن كواهلنا، وتعهد الجميع بالالتفاف حول الوطن، والعمل له، في إطار التنافس الحر الشريف، يمكن لنا فتح ورشات في مسائل كثيرة، تناقش أفكارها بعيدا عن الهواجس التي قضينا عليها، وبراحة معنوية من الكل تجاه الكل.
بعد مسح الماضي بكل شوائبه، يمكن الكلام عن دولة الحق والقانون، أما بدون هذا في تقديري والله أعلم، وحسب التجربة المتواضعة، والمنظور الواقعي الحاضر، والاستشراف الذي لاينبىء عن مستقبل جديد، فلن نتقدم خطوة إلى الأمام، لأن الإجرام الذي لا تُمحَى آثاره بحنكة وحكمة ودراسة نفسية اجتماعية اقتصادية، سيتشبث بمكتسباته، وستتعاون أطرافه الجمَّة في بلادنا، لتشكيل جبهة قوية ضد رياح التغيير، وسيقفون جدارا سميكا في وجوه المحاسبات العاتية.
وخير دليل الصد الرهيب لقرارات قيادة الأركان في عهد الراحل أحمد قايد صالح رحمه الله، وما شبهة وفاته إلا أمارة على مذهبي.
ومنها يوميات بلادي الشاهدة على التراجع الرهيب في هذا المجال الذي لا يفسر إلا بالفشل أمام التصدي الصارم لها.
فكلامي يشهد له تسريح بعضٍ مهم، وغضٌّ عن آخرين، وتململٌ في قضايا أخرى، وغير ذلك مما ينبه إلى صعوبة الانتقال إلى بناء جديد على أسس متينة بدون اقتراحي أعلاه.
وأتذكر في هذا المجال موقف الزعيم الجنوب إفريقي بعد تنصيبه رئيسا للبلاد، أعلن العفو عن الكل، ودعا إلى رصِّ اللحمة الوطنية، لأنه لم يكن مسؤولا عن شيء سبقه، فلمَ يصارعه الآن؟
ففي ظني والله أعلم بالصواب، لا أمل في التغيير المنشود بغير هذه الطريق.
كم حاكما للمسلمين غارق في أوحال الفساد، وحتى الخيانة بسبب الابتزازات؟
ماذا لو صارحوا شعوبهم، بطبيعة الأخطاء، وإغراق جيوبهم وغرائزهم، ثم تابوا وسألوا العفو لبدء حياة وطنية جديدة بهم أوبغيرهم؟
هذا رأيي، دون احتكار أفق الحوار، ودليلي الجدُر التي تتكسر دونها كثير من محاولات ـ إن وجدت ـ المرور إلى الفضاء النقي، والمعين الصافي.
وإلا فسنبقى كربان السفينة لوحده يقاوم شغب الخارقين، أوكسابح في بحر متلاطم.
(أَوْكَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ40) سورة النور.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم