للتجديد العمراني

لم أغير رأيي منذ مدة غير قصيرة في ضرورة التحديث، وقيمة التطوير قصد تيسير السبل، حتى في الإطار التشريعي الأصولي بما يخدم مراعاة مصالح العباد في الآجل والعاجل بجلب المنافع ودرء المفاسد.

لكن للأسف نفتقد إلى جرأة المسؤول على الإنصات الجيد، والاستفادة من النصح الخالص في سبيل الله والوطن، بل نجد من يضع نفسه مكان القائم بأمر الله، لا يعلو إليه أحد في الفهم، يتوهم رشد نفسه وسفه غيره.
ونحن في زمن التكنولوجيا والرقمنة والاتصال السريع والتطوير الرهيب في كل المجالات، والاستفادة من التجارب البشرية الناجحة، يقبع كثير من المتربعين على عروش المسؤوليات بذهن السبعينات وما قبلها.
وفي زمن تداول المعارف محليا ودوليا، يوجد مقلدو الغرب والشرق في الغناء، والرقص، والسروال الممزق، وتسريحة الشعر، وسوار المعصم، والاحتكاك المحرم، دون الإفادة من منافعهما ومنه العلم، والعمران.
نظرت البارحة {الأحد 21 مارس 2021م الموافق لـ 08 شعبان 1442هـ} بحسرة إلى المواطنين في بلدية البرواقية بولاية المدية، يحدِّقون على الجدران بأعينهم نحو قوائم المستفيدين من السكنات الاجتماعية، وسط احتجاجات المحرومين، والإحاطة المشددة بالمقرات الرسمية المقصودة، وكأننا في قارة تكثر فيها المشاغبات.
فاستذكرت رأيي في مسألة النظام السكني الذي أعتبره حلا دائما، مريحا للبلاد والعباد والسلطة، وجالبا للاستقرار الأمني والاجتماعي والمعنوي، عوض صرفه عن قضايا أكبر، لأن السكن في العالم المتحضر لم يعد مؤرقا للمسؤولين وشعوبهم في البلدان التي تحترم نفسها.
إن النظام السكني في تقديري لا يصمم على هذه الصيغ الموجودة الآن، بما فيها الصيغة الاجتماعية، لأنها ليست وصفا دائما مستقرا منضبطا عادلا، بل هي حلول عشوائية استعجالية.
ولن تنهي أزمة إيداع ملفات الطلب، والحرمان، والمعاناة، والاحتجاج.
ولن تشفي صداع رؤوس المسؤولين إن فكروا في قيمة الإنسان بصدق.
ولن تنهي الاختيار العشوائي للقطع الأرضية، وإفساد المساحات الفلاحية، وغرس الإسمنت عوض الشجر، والنبات، والقمح، والفاكهة، والخضروات.
ولن توقف خلسات الرشوات تحت الطاولات، وإيهام المرتشين، وتهديد الراشين لهم إن فشلوا في ضمان محل الرشوة.
ولن تزيل توظيف المحسوبية، والمعارف، والتزلف، والعلاقات الحميمية.
ولن تقضي على إيجار أوبيع الشقق بعد الاستفادة منها مباشرة، كما يتوقع الكثير لهذه السكنات الممنوحة، لأن الردع غائب.
ولا على المشاحة الدائمة بين المواطن والسلطة.
ولا على مظاهر جري قوات الأمن وراء مسيرات الاحتجاج الشعبي، وكأننا في حرب العصابات، أوالشوارع بين شعب وسلطته.
ولا تمكن السلطة من تحصيل المستحقات بسبب افتقار كثير من المستفيدين للمال، فتتكدس الديون عليهم تجاه الديوان المسير، وتتعطل عملية البناء تبعا لذلك.
فهي مطالبة بتخطيط محكم لهذه المسألة، والفرد مطالب بتوفير المكنة المالية لاقتناء السكن المتوفر دون مخاصمة.
لأن فكرة الإسراع في إرضاء المواطن المحروم تقود إلى التسرع فيما سبق، ولم يكن التسرع نذير خير أبدا.
فلماذا يتمتع البعض برؤية مظاهر العراك بين المواطن وقوات الأمن؟
ولماذا التلذذ برؤية المواطن المحروم، القابع في بيوت القصدير، والطوب، والغرف الهشة؟
لماذا لا نستفيد مما سبقنا إليه غيرنا كما نجلب فنون الرقص والغناء والمجون والمظاهر الخليعة وغيرها؟
إن أهم صيغة تجلب لنا الاستمرار والاستقرار والهدوء، وتنهي الأزمة هي التخطيط المحكم في اختيار المساحات غير المؤثرة على الفلاحة، والمتأنية تجنبا للتسرع، لبناء نسيج عمراني متحف، مناسب.
مع منح كل مواطن حق الاستئجار، وحيثما أراد في بلاده، واختيار العمارة والشقة، مع وضع ضوابط محكمة، ومنها المدة القابلة للتجديد، والمقابل المالي الطبيعي المقبول، والتمييز بين المساحات، وعدد الغرف، وصفات الشقق، مفروشة، وغير مفروشة، والموقع، وإمكان التغيير بزيادة عدد أفراد الأسرة، بشرط عودة الشقة السابقة إلى مالكها الشخصي، أوالنظامي، واستغلال مبالغ الإيجار في مواصلة البناء، لاستفادة مستمرة.
ولذلك أرى أن من منافعها:
1/ القضاء على الأزمة، والانشغال بمجالات أخرى أكثر أهمية، وتجربة البلدان الغربية والمشرقية مفيدة جدا.
2/ حصول أي مواطن على السكن في أي بقعة من هذه الأرض، عوض استعمال المعارف والرشاوى التي كان من أضرارها عمليات استيطان مقصودة للسيطرة على مقدرات البلاد.
3/ القضاء على فكرة البناء التساهمي التي تجبر كثيرا من المستفيدين على عروض قد تقع في غير الموطن المفضل.
4/ حرمان المستفيد من بيع الشقة، أوإيجارها من جديد، بسبب المراقبة اللصيقة للمالك.
5/ حرمان مافيا العقار من المضاربات الفاحشة.
6/ دفع المواطن إلى العمل للحصول على مبلغ الإيجار، وإجلال قيمة العمل عند الناس، لأن من لا عمل له لا بيت له.
7/ تمكين أي فرد أوأسرة من تغيير مكان الإقامة في أي وقت، لأن الوفرة تقضى على مشكل المسافات، أوالقرب من العمل، أوالعائلة، أوالأحباب، أوالأقارب، أوحتى العشيرة.
8/ تمكين السلطة من التعاون مع الخواص ومنحهم حق شراء، أواستئجار قطع أراض للبناء فوقها، وإيجاره، مع ضابط تجنب إفساد الطابع الفلاحي.
9/ كفاية المواطن كلفة شراء قطعة أرض وبنائها، إلا من أراد، لأن الوفرة تصرف عنه.
إلى السلطة أرفع كلمتي كي تسمعها ولا تلغيها، بل تفكر في جدواها، بدل الاستهتار بها، وقصر الفهم والتخطيط والتفكير والرأي عليها فقط.
أعلم أن كثيرا من الجهات الرسمية تطلع على منشوراتي، فلتوصل صرختي إلى أعلى هرم السلطة، والوزارة المكلفة بالسكن.
أهيب بها أن تتجنب {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}.
أهيب بها أن تقدر قيمة الإنسان، وعدم إهدارها، لتكون النتيجة المقابلة عرفانه لها ولمجهودها، والتماسه صدق نيتها بعده، فتلتحم الجبهة الاجتماعية مع السلطة السياسية الحاكمة، ويتوحد الراعي والرعية، وتتوطد الثقة، ويتماسك الشعب والسلطة خاوة خاوة كما ينادي جماهير الحراك بحناجرهم.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم