شرك الوسائل والأساليب.

جاء الإسلام وربط الناس بتوحيد الله ربا ومعبودا، وعصم علاقاتهم في هذا الإطار، وكأني بقوله تعالى {واعتصموا بحبل الله} يعني العصمة من كل شر إن تم الالتفاف حوله، وحدد مجال الولاء والبراء، والحب والبغض، والمحاباة والمعاداة، فيه سبحانه لا في غيره، وتراوحت قوة وضعفا حسب تطور أوتراجع الارتباط به.

ثم أتى على بلادنا سنوات تأسست أحزاب، بدافع خدمة البلاد، وتنوع البرامج وإثرائها، لكن سرعان ما انحرفت عن كثير من أهدافها، بدا واضحا في  مظاهر،،، منها الحجر على المناضلين مد جسور العلاقات الإنسانية الواسعة،  فتنامى العداء بين كثير من فئات شعبية مناضلة، لمجرد التباين السياسي،  والاستعراض الزعاماتي، فضاعت آداب الاختلاف.

ثم جاء حراك 22 فبراير 2019م، لسد الطريق أمام ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة،،، لكن تمدده ميعه، فتشعبت مطالبه، وارتفع منسوب الاحتقان بين  مؤيدي مختلف الفاعلين، مع حب الجميع للجزائر، وإرادة تطويرها نحو  الأفضل، لتغيير النظام، والقضاء على الفساد، وإعادة تشكيل دولة، كلٌ يراها  حسب منظوره، إلا الطرف الثالث العميل المنسق مع جهات أجنبية على  رأسها فرنسا، فهذا لا يعنيه كلامنا.

لكن المحزن في كل هذا، هو شدة التعصب التي أدت عند الكثير إلى  التباغض والتباعد واعتبار ذلك من قيم الولاء والبراء، ومبررات الهجران،  والمحاباة والمعاداة، والحب والبغض فيه.

لقد تعلمنا في أبجديات السياسة الشرعية أن الأحزاب والهيئات مجرد وسائل،  يصح قبولها كلما حققت أرجح منافعها الحسنة، ويبطل كلما انحرفت عنها  إلى أرجح مفاسدها.

والحراك ليس بدعا من هذه المسلمات، وإلا فسيصبح شريكا مع الله قد  يستوجب مراجعة عقدية، وأصولية.

وإنني أرى أبرز المظاهر السيئة عند البعض ـــ دون الافتاء بحرمته أوالتلميح إلى منعه أوالتحريض ضده ـــ، تمثلت في:

1/ الإنكار على حرية الآخرين في التفكير ومنع آرائهم وجهرهم بها.

2/ تضييع معرفة ما قد يكون أصوب وأرجح، عند الغير.

3/ اعتبار المذهب فيه هو الحق، رغم أنه لا يتعدى مسألة الصواب والخطأ،  لأن الكل متفق على بغض الفساد، والضجر والتعب منه منذ الاستقلال، وضرورة التغيير والتحسين.

4/ الغفلة عن التقدير البشري غير المعصوم، عكس الملائكة، والأنبياء  المعصومين.

ولو توقفت هذه المظاهر عند العوام لهان الخطب، ولم يحصل بهم حرج  لعلة الجهل، لكن أن يكون لهم تأثير على ذهنيات بعض المتلبسين بمظاهر  التدين، أوالثقافة، أوذوي الهيئات، فهو تسميم للإسلام والثقافة في ظنون الكثير.

فالبعض يتناسى سابقته، وأن الله تعالى قال {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم} سورة النساء، فيتطاول بنعمة الله على غيره وقد أنجاه، لأنه قد  يتجافى مع الأعلم، والأقدم خبرة في هذا الميدان.

ولما سبق أسباب أراها كما يلي:

أ) انقسام الشعب، وتمرير مشاريع به. 

ب) غزو الإعلام الافتراضي بإشاعات أحكمت الوقيعة بين طبقاته.

ج) الرؤى المختلفة حول فساد الوضع وسبل محاربته.

د) الرؤى المختلفة حول التغيير:

1/ الاكتفاء بحرب العصابة، ولو ببقاء بعض الفاعلين القابلين للتغيير، ثقة فيهم، مع بصيص أمل.

2/ رفض كل الرموز، وضرورة رحيلهم، لانعدام الثقة، بسبب التعفن العميق.

فكان من نتائجه زيادة الاحتقان بسبب:

1/ خيبة البعض عند رؤية التراجع عن مكتسبات الحراك، واعتبار الحدث مجرد صراع أجنحة.

2/ إصرار البعض على سلامة الطريق، واعتبار ما يحدث مجرد خطة معاكسة.

3/ إصرار الرافضين على اتهام غيرهم بالولاء للنظام،،، ودليلهم الواقع  الميداني، حتى انتشرت عبارة {ألم نقل لكم؟}.

لكن أن تبقى هذه النتائج مؤثرة على المشهد البيني، فهو من الخطر  المحدق، لأن من كان يعبد الله فإنه حي لا يموت، ولا يزول، ومن كان يعبد  الحراك فإنه إلى زوال.

وأصر على لفظ {يعبد} لأن الغلو الواضح، أحال المسألة إلى إشراك جلي  للوسائل والأساليب بالله، عوض منح النفس راحة معنوية تتعامل مع الجميع.

فالناس أحرار في الخروج بحراك استئنافي مقبل، لكن حذار أن يكون أشرس،  أوأبلغ شقاقا بين الجزائريين من سابقه، خاصة مع بوادر مخططات الأعداء  ومنها تحركات السفير الفرنسي، المكلف من سلطته.

فدفع رجحان مفسدة الخصومة أولى من نفعه المرجو.

ولا أتمنى أن نؤول إلى النموذج العراقي، أوالليبي، أوالسوري، أواليمني،  أوالسوداني، لأننا حينها لا سمح الله سنسير إلى حتفنا، ونندب حظنا، ونشق  جيوبنا، ونلطم وجوهنا، وندفن أمجادنا، ونشهد زوالنا، على تناحر قد يفجر  قنبلة  في وجه بلادنا، ترديها أشلاء ممزقة، ورايات متعددة، وقوميات محددة،  ولأن خبرتنا بغيرنا واضحة جلية أمامنا، فلا أقول {ولا ينبؤك مثل خبير}،، لأن  بعضنا أشرك الوسائل والأساليب مع الله.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم