مصيبة فقد الأكابر

غارت علينا سنون فقدنا فيها أخيارا أفاضل، وأخص فترتي المحرقة الوطنية، وتغول الوباء،، نعلم أن نهاية آجال الأحياء من سنة الله في الكون، إلا أن المصاب يعظم جلله عندما يغيب عنا من نحتاج إلى دررهم، التي لم نغنمها، وأذكر في هذه المناسبة الأليمة الأخ علي جدي الذي توفاه الله صبيحة يوم الإثنين 1 فبراير 2021م الموافق 19 جمادى الآخرة 1442هـ، رحمه الله ووسع عليه.
أحبب من شئت فإنك مفارقه، وقد أحب الصحابة رضي الله عنهم قبلنا محمدا صلى الله عليه وسلم لكنه فارقهم، لكن بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده.
إلا أن هؤلاء الأكارم من أمته لم يمنحوا فرصة أداء الأمانة الوطنية.
وبين يدي البلية العظيمة لا أنحو سبيل التأبين، إلا بالإدلاء بناء على شهادة الرجال الوطنيين الموثوقين المخلصين الصادقين أرواحا وأبدانا، بأن الرجل سارع إلى الانضواء تحت لواء الصحوة الإسلامية، ثم الحركة الإسلامية.
لم يتقلد مسؤولية في السلطة في كل دواليبها، ولم يكن رب مال وأعمال، كان شاهدا على ما وقع قبل وأثناء وبعد المحرقة، وعمل على حقن الدماء بعد إضراب جوان 1991.
ومع ذلك لم يقل يوما أنا الأول والآخر والظاهر والباطن والكل في الكل.
سخر قدراته لإنجاح الحوار الوطني أثناء رئاسة اليمين زروال، وغيرها من المشاهد التي حضرها، وآخرها الانتخابات الرئاسية التي رجَّحَ فيها الحكمة ومصلحة البلاد على المشاكسات الحزبية والفئوية إنجاء لوطن لا تنصيبا لشخص، أودعما لنظام، لأن الفترة الانتقالية كانت مكشرة عن أنيابها، والتي تعني عند العارفين محرقة أخرى قد تكون أشرس من سابقتها، وتعني التدخل الدولي، في مطابقة تامة للوضع الليبي والعراقي واليمني والسوري، ومن ثم التكبير على جنازة الجزائر أربعا.
رغم ما لاقاه بسبب ما أداه إليه اجتهاده الحكيم من أحكام بعض المخالفين سياسيا، جعلهم يتجاسرون عليه بالدعوة إلى سحب الثقة منه، فإنه بقي ثابتا على قيمة اختياره من باب الوفاء للوطن لا للهيئات، وتحرر من القيود الحزبية الضيقة، وأصبح يفكر كرجل الجميع، وانضمامي إلى شهادات الكثير ممن ليسوا من حزبه خير دليل.
إضافة إلى ذلك أرى أن الرجل ظلم كثيرا:
1/ في الجماعة الإسلامية (جماعة الشرق)، إذ كل من خالف القيادة وقتها، يلطخ بأبشع التهم ويطرد بقرار تعسفي، أويفارقها، لكنهم فجروا طاقاتهم في غيرها، وكان من ضمن قوافلها.
2/ من قبل سلطة المحرقة التي سجنته بسبب الرأي السياسي.
3/ من قبل بعض قيادات حزبه المخالفين له في آرائه، ومنها المشاركة في الرئاسيات.
4/ من قبل العلمانيين الاستئصاليين المبغضين لكل ما هو إسلامي ولو جلب لهم وللوطن الخير الناصح.
5/ من قبل السلطة رغم مساهمته في القضاء على الأزمة الأمنية، إلا من أصر على المكوث في الجبال.
لقد همشَتْ حكمةَ الرجل وحنكته مع أنه أحد العارفين بأسرار كل الأطراف، وحرمت الوطن من تجربته الطويلة، على الأقل منذ نهضة الصحوة الإسلامية.
وهكذا سارت قوافل الأفاضل والحكماء نحو القبور دون إفادة، واستمر نزيفهم، وحظر البلاد من حلولهم، التي كانت ستصل بالبلد إلى بر الأمان لو اجتهدت السلطة في الجلوس إليهم، بتحرر تام من كل اعتبار غير وطني.
وكأني بالثرى الطيب الحاوي لهم ينذرنا ببكاء كالأرامل بلا عدة على رجال لم نرعَ فيهم ذرة قيمة.
إن مصيرنا مرتبط بمدى سعينا في لم الشمل، والنظر بحصافة نحو هؤلاء، لأن التجربة أثبتت فشل إقصائهم، وعواقب الارتماء بين أحضان غيرهم، فكم ضاع من عمر ونحن نرزح تحت سطوتهم بلا طائل؟
فليدقق القائمون النظر جيدا في كل مجالات اهتمامات المخلصين، ولتقترب منهم السلطة بكل مكوناتها، على الأقل لفهم نظرتهم إلى الأوضاع، وسبيل النهوض بالبلاد، لأنهم أحببنا أم كرهنا مُكوِّنٌ هام في الطاقة البشرية للبلاد.
واليقين أنه لو حدث التقارب لاستضاء وجه الجزائر، بنور الله الملقى على وجوه مختلف الكفاءات العالية التي يعجُّ بها الوطن.
وإلى ذلكم الحين لا يتمنى مخلص رؤية وفود الرجال إلى اللحود، تجر علما وأفكارا لتدفن معها، عوض وقفها للوطن وتسبيل ثمرتها له.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم