قراءة في المشهد الرئاسي

عاد السيد رئيس الجمهورية إلى أرض الوطن بعد العملية الجراحية وفترة  النقاهة، سائلين الله له ولكل جزائري الشفاء من كل الأمراض.
واستئنافه النشاط دليل محتمل على سبق برمجته قبل العودة، من قبل  مختلف الفاعلين.
وظاهره اللقاءات المتسارعة مع التنظيمات السياسية، للنظر في مستقبل بعض الأمور، منها الحكومة، في غياب المجتمع المدني الذي كانت الرغبة في التعامل معه من قبلُ، بل وتكرس في الدستور الجديد، مما يعتبر تراجعا، أوإقرارا بقصوره في تسيير مثل هذه المستويات، ولذلك أتوقع أن يكون معظم وزراء الحكومة الجديدة من المجتمع السياسي.
وأظن أسباب هذا التحرك من السيد الرئيس مردها إلى:
1/ قناعته بقصور التشكيل الحكومي الحالي عن الوصول إلى الأهداف المسطرة، بضعف أداء واضح.
2/ قد يكون سببا لما سبقه، وهو قناعته بضرورة إشراك الفاعل الحقيقي في الساحة، لتسيير العجلة، وإلا فالدولة العميقة بالمرصاد، وقضايا البريد، والحليب، وتوزيع المياه، ومختلف الإدارات خير شاهد.
لذا أرى أن الأحزاب تطعمها عضويات مقترحة لقبول الحوار الرئاسي، بعد ضجة كبيرة جدا إزاء شرعية الانتخابات، والرئيس، ومقاطعتها.
لكن نتيجتها الميدانية في ظني تأييس أنصارها المشاركين بقوة في الحراك، وتسريب طمأنة لفئة أخرى منه، مما سيضعف استئنافه.
ومن العصافير المضروبة بحجر واحد المصداقية السياسية للأحزاب، التي تنقلب كعادتها على مواقفها المقاطعة، غير المعترفة بشرعية الانتخابات المختلف عليها، أوالناقصة، كلما أتيحت لها فرصة ولوج أبواب القصر الرئاسي، إيعازا إلى الشعب عامة بعدم الاعتماد عليها من جديد، مما يضعف موقعها التفاوضي المعارض.
والملفت للانتباه: 
أولا: غياب حزبين كبيرين وهما، الــ FLN وRND، إيحاءً بإرادة بناء جزائر بعيدا عن تنظيمين نقم عنهما الشعب، أوتمديدا لفترة الحوار والتشاور، بمواعيد لم تحن بعد.
ثانيا: مشاركة بعض الأحزاب المنتمية إلى طوائف الحراك الشعبي، وعلى رأسها الــ FFS، مما يدل على الاحتمالات التالية:
1/ تواجدها إعلان غير صريح عن توقيف الحراك، أوعلى الأقل تأجيل استئنافه بمناسبة ذكراه الثانية.
2/ تأجيل الصراع السياسي الداخلي خاصة بإشراك أكبر فصيل من المنطقة التي تجهر منها دعوات الانفصال، لتمرير مشاريع السلطة دون عقبات.
3/ المشاركة في الصورة الداخلية عالميا، ثم التوجه نحو التعامل مع الوضع الدولي المحيط، بهدوء، ورفع بعض ضغوطه، دون مشاكسات معيقة.
4/ تنجيش الاشتراكية الأممية، لاستدعاء التحالف الروسي بقوة.
إلا أن محذوره في دهاليز الكولسة، هو تفاوضه بقوة حول بعض القضايا المختلف فيها مع السلطة، يمكن من إضعاف الأداء القضائي لمختلف المحاسبات، وبيان الــ FFS عن اللقاء في شكله يبين استمرار عدم الاعتراف العلني، بوضعه عبارة {رئيس الدولة} عوض {رئيس الجمهورية}.
5/ تجربة حكومة وفاق وطني أووحدة وطنية بعد التجاذبات الكبيرة.
6/ فك العزلة عن السلطة بالخروج إلى ساحة شرعية سياسية واسعة.
7/ إشراك الأحزاب في عمل السلطة بــ:
أ)    تخجيل دعاوى المعارضة بعد المشاركة في أكبر مؤسساتها.
ب)  الإسهام في صعوبات التسيير اليومي وبالتالي:
ــــ النجاح ينسب إلى السلطة كمثبت لقيمة الحوار والتشارك في نظر الملاحظين.
ــــ الفشل ينسب إلى الطبقة السياسية، وإجبارها معنويا على التزام الهدوء والصمت.
8/ الاتجاه نحو المشاريع المنتظرة بالتنسيق بين الجانبين العسكري والمدني، بعيدا عن المناكفات.
9/ إثارة حفيظة الحراك بنتيجة مآلها: قادوكم، وغنموا دونكم.
كما أن الخطر الكبير سيضرنا بحل غرفتي البرلمان قبل الانتخابات التشريعية، لأن ذلك سيدخلنا في نفق المرحلة الانتقالية، والمجلس الأعلى للدولة، والزج بالبلاد في أتون المساومات الدولية، وما خطأ التسعينات عنا ببعيد، والأولى في رأيي ترك البرلمان شغالا، إلى أن يحل آليا، يوم تنصيب الجديد، لأنه لا يعلم أحد منا الغيب في مصير منصب الرئاسة، من عجز، أووفاة، أواستقالة، أوغيرها، وحينها لن نجد من يرأس الدولة بالنيابة حسب مواد الدستور الجديد، لأن رئيس مجلس الأمة لن يكون موجودا، فندخل في فوضى جديدة لا سمح الله.
لذلك أدعو السيد الرئيس إلى المتأني في المسألة استشرافا مستقبليا حذرا، وأنصح بعدم التسرع في اتخاذ مثل هذا القرار الخطير قبل أوانه، وأن يعملبنصائحنا، وله معنا خبرة تلك الحقبة المزهقة للأرواح، المهريقة للدماء، المسيلة للدموع، المحرقة للبلاد، المهدرة للأموال.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم