رسالتي إلى الأساتذة

من الإنصاف تعاهد الإنسان نفسه كلما طالته نيران النيل، ليهش رمادها عن محيطه، ويقلب أسبابها، ودوافعها، وجبهاتها التي فتحت عليه، والخوخات التي ينوف منها مناوؤوه، ويراجع مواقفه، وأفكاره، وهو من تمام نضجه، وسداد رشده.
لم يستحِ البعض من همز ولمز السادة أساتذة التعليم، ولم أتوانَ في ردعهم حتى عوتبتُ على شدة اللهجة، غيرة عليهم، وتقديرا لما غاب عمن أجرمَ في ظهورهم، وطعن صدورهم، ولم يَعِشْ لُغُوبَهم من التكوين الجامعي، بغدوه ورواحه، سفرا وارتحالا، وامتحاناته، والتدريب على التدريس، والتثبيت، مع العمل اليومي لتحضير الدروس ليلا، وأدائها نهارا، وتصميم أسئلة الامتحانات، مع مخطط العلامات، والتصحيح المضني، وتحمل عنتِ المحتجين،، نتيجته الحرمان من لذة كاملة للحياة، بسبب العمل المرافق إلى البيت، عكس غيرهم، مما حدى بالبعض إلى المناصب الإدارية ليجدوا أنفسهم أمام وضع أشد.
دون إغفال تطبيع معنوياته ليقابل متعلميه بوجه معتاد.
كل ذلك لا يعفيه من مراجعة النفس والأعمال دوريا، لتقويم الطريق، وتشخيص المسار، وتصحيح الأخطاء، فما هو إلا بشر، يصيب ويخطىء، وليس ملكا مقربا معصوما عن الزلات، والهفوات.
أتحدث إلى الأستاذ بنبرة الناصح، لأن الشعور بالثقة متبادل، والإحساس بالحرص على المنفعة متيقن.
ها أنذا أسوي الكفة الأخرى لإتمام الكيل والميزان، ولا أبخس الناس أشياءهم، دون تخسير.
إن التعليم مهمة الرسل، ونقل تركة الأنبياء، الذين لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فطوبى لكم ما غنمتم منهم.
وليست قاصرة على المرتب، رغم مشروعيته،، فالإجارة الإنسانية على التعليم واجب شرعي، كفاية من الفقر، والإهانة الاجتماعية، مع المطالبة بزيادته إن تأكد ضعف تلبيته متطلبات حياته ومن يعيل.
إنه ارتباط وثيق بالتلميذ، للشعور ببنوته، ولو في أحلك الحالات.
إن الفرض علينا هو استمرار التماس العلم، لأن التخرج ليس نهاية له، إنما بداية تفصيل ما أُجْمِلَ، وإلا فالبعد عنه لا يُتَرَفَّعُ به عن طبيعة العامي.
توسيع المدارك العلمية وإثراؤها، ضروري، وأخص السيدات الأستاذات المتحملات مشقات البيوت، لتخصيص وقت للقراءة كتعيين أوقات لغيرها، فإن تذليل الصعاب ليس عزيزا على مريد مخلص مقتدر.
مكنوا أنفسكم من المادة بالتجديد والتحديث، ولا تركنوا إلى التراكم المعرفي القديم الموروث عن فترة التمدرس.
#ابسطوا على حصصكم الهالة العلمية، ولتكن لحافكم، لتبهروا عقول النشء وأذهانهم.
#ضيقوا مجال الفراغ، لئلا تزول هيبتكم، وطمأنينة دروسكم، ومقاصدها، فإن المعسكر الذي يعتريه الفراغ يكثر فيه الشغب.
#عليكم كرامتكم، تواضعوا دون دوام مخاللة العوام بغير طائل، فتهزل قيمتكم، ولا تحاجُّوا الحمقى، فتضلوا في ظلمة الجهل مثلهم، فمن أكثر الغياب عن الشارع صان نفسه من التنقص، وإن حصل فافرضوا أستاذيتكم وسلطتكم الأدبية عليه.
#انشزوا عن المقاهي، فإنها مراتع الغيبة والنميمة والقيل والقال، وحط المقام، وإن كان فبالقليل الضروري.
#افسحوا مسافة الحرمة تجاه تلاميذكم فتهابكم قلوبهم، وليكن لهم منكم العلم وفقط، فيقدسوه مثلكم، فإن المصاحبة غير المحروسة إذهاب لريحكم، وتزهيد في دروسكم، وليكن اللقاء في أروقة المؤسسات لإجابة، أوتربية، أوتوجيه، أواقتداء.
لا تفتحوا ضد أنفسكم مراء السفهاء، وتطفل الدهماء، ونهش المبطلين لأعراضكم.
#تعففوا عن الإشارة إلى الدروس الإضافية الخاصة، إلا بإلحاح الراغب في علمكم، للبراءة من الإفك بابتزاز الأموال، والطاقات.
#لا تشتطوا في المشاحة مع إدارات المؤسسات، فما كلف الإداري معاديا للأستاذ، إنما للتسيير، والتيسير، إلا من أبى.
#ضعوا أنفسكم في مواقع التعاون الأخوي، بدل ارتداء الاعتراض المجافي.
#لا تسرفوا في احتجاجات جزئية، لمجرد إشكال يسهل فكُّ طلاسمه داخليا، وإن كان فَجَوِّدُوا شرح المسائل وشرعيتها القانونية، وخُلُوَّها عن التترس بالتلاميذ، نأيًا عن تطاول أعداء العلم ممن لا يستحون.
#وَضِّحُوا مطالبكم للإقناع بضرورتها لصالح العطاء الفعَّال، لئلا تسوغوا ظن مرام الدَّعة، لمن يجهل أن الحجر الإجباري لم ترضوه لأنفسكم بَلْهَ تلاميذكم، لأنه كسَّر وتيرة النشاط، وأنهك منكم البال والبدن، بالركون إلى الركود.
#إني أتأملكم قامات شامخة مجاهدة تنفر في سبيل الله، ولا تثَّاقل إلى الأرض، تشرئب الأعناق إلى عنان السماء رجاء النظر إلى أنوار علومكم بشغف، لترغب الأجيال في التأسي الحسن بكم.
#أتمثلكم أقمارا ساطعة تُشِعُّ ما أَدْجَتْ الليالي.
#ألجموا أفواه الحاسدين بمنطوق، ومطابق، ومفهوم، وصريح، ومضمر ثنايا رسالتي الحبية إلى جنابكم.
#دمتم للعلم، تحملا وأداء، خداما لأهله، روادا لخاصته.
محبكم الأستاذ سعدالدين شراير.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم