قيمة التجديد المعرفي

نشرت مقالا موجها إلى السادة الأساتذة المحترمين، تحت عنوان: رسالتي إلى الأساتذة، نبهت فيه إلى استمرار التماس العلم، وتدعيم المعارف، خاصة في مواد التدريس.
ولاحتكاكي وتغذيتي بالقراءة والتعلم في مجال اختصاصي، أردت إسداء إضافة نوعية قد يوجد من سبقني إلى أصلها.
ولقد شجعني أستاذنا مفتش اللغة والأدب العربي، الأخ السيد غزالي بوحجر من قسنطينة، المنبه إلى رسالية ما يقبل عليه طالبوا مناصب التعليم بالاستخلاف، أوالتعاقد، معتصمين قرب مديريات التربية.ولا غرو إن استخلصنا من كلام الله تعالى التذكير الدائم بقراءة القرآن، مع تدبره، وتفكره، فإنه لتجديد استنباط حججه المسطورة، وآلاء الكون المنظورة.
فكم تجلت لي فوائد وقيم وحكم وأحكام النص الواحد كلما جددتُ قراءته؟
ولا عيب في تعميم الاستفادة من التحديث المستمر لبرامج الحواسيب تفعيلا لقوة أدائها، فإن الإسلام يعترف بالتجارب البشرية الناجحة.
ولا سر إن قلت إنني أجد صيغا جديدة في تدريس الكثير من المواضيع بسبب الإدمان على القراءة، للتعلم لا لمجرد الاطلاع.
إن القبوع في ترسبات التخرج الجامعي، والجمود عليها، والوقوع في الرتابة القاتلة من كثرة تكرار السوابق، يكسرها بنوائب الدهر، ومتاعب الأيام، ويَسْكُبُهَا الأداء، إلى أن يستفرغ الإنسان نفسه منها، وهو ما يصدق على الطبيب، وكل من يسير حياته المهنية بالعلم.
إن الفتور العلمي، والركود الثقافي يصاحبان أغلب المتخرجين. مما أبلى تصورات وعلاقات بعض الأساتذة المنزوين وراء الجدار العلمي القديم.
لقد قدم للمجتمع أشخاصا أشبه بالعوام تماما خارج حجرات التدريس، تفكيرا، وذهنية، وسلوكا.
إن الاهتمام بهذا الموضوع ذو بال، لأن مستوى المتعلم من مستوى معلمه، متعلق به كتعلق الحُكْمِ بالعلة وجودا وعدما.
لقد استنبطت من خلال مصاحبتي الكتبَ، من فترة التعليم الثانوي إلى يوم الناس هذا، جلب التحديث العلمي والمعرفي منافع كثيرة جدا، أذكرها على غير الحصر فيما يلي:
1/ القدرة الشخصية من تطوير المعلومات، وتكثيف المعرفة. 2/ توسيع المدارك، فقد يتعرف القارىء على جغرافيا لم يزرها، وعلى عادات وثقافات لم يلقها، وعلماء لم يزاحمهم في الركب، وتنـقدح له علل لو بحث عنها لم يجدها.
3/ القضاء على الرتابة والروتين، والجمود، وحتى الاكتئاب، الذي يصيب الكثير، لأسباب مختلفة.
4/ الترقية النفسية والمعنوية أمام أصناف المجتمع، بتلك الرتبة العالية، توطن الفرد مكانة العطاء، فالمنتمي إلى نادي أهل العلم، ليس كمن تحتويه الجهالة.
5/ الإمداد بملكة إعمال العقل.
6/ التمكين من الاجتهادات في مختلف العلوم.
7/ تفعيل قوة الأداء، لأنه مزود بالجديد دوما.
8/ المساعدة على تحضير الدروس، وولوج المؤسسة بزاد علمي معرفي جديد، يمنح القوة المعنوية في البذل، قد تفك عنه في معظم الأحوال عقال المذكرات التي تكبل الأستاذ بين جنبات ضيقة.
9/ الإمداد بحلول الإشكالات المفاجئة، وخاصة في التدريبات والتمارين.
10/ تأسي المتعلمين بالأستاذ المثقف.
11/ جلب الزملاء إلى حلبة التنافس على هذا الميدان.
12/ المساهمة في التعاون الفكري الجماعي، وتصميم البرامج التعليمية والتربوية، وتجديدها، كليا وجزئيا، وتطوير طرق التدريس.
13/ المساهمة في تكوين الجدد، وتحفيزهم بالقدوة.
14/ ربط الحياة المهنية بما بعد الإحالة على التقاعد عن طريق التواصل العلمي والمعرفي، فقد نستفيد ممن تقاعدوا، ونستفزهم بأسئلتنا ونقاشنا، ونستمد منهم.
أساليب ووسائل تحقيقه:
1/ القراءة الدائمة، وأخص بالذكر المجتمع العلمي النسائي، إذ على المرأة ضغوط أسرية معروفة داخل البيت، قد تعيقها عنها، لكن تحديها لترقية معارفها، يدفعها نحو التخطيط الفردي الفعال لتصميم أوقات تعتبرها مقدسة للقراءة.
2/ المشاركة في الندوات والملتقيات العلمية، ولذلك أدعو كل رجل إلى تشجيع زوجته على حضورها، لتطوير أدائها، مادام موافقا على خروجها نحو العمل.
3/ الاتصال الدائم والحوار حول المسائل المعرفية وطرق الأداء والبيداغوجيا.
اقتراحات عملية:
1/ المبادرة السياسية من قبل السلطة، بقرار شجاع لتجسيد دور المثقف، وتفعيل كلمة المتعلم، والقارىء.
2/ تقليص الحجم الزمني للأستاذ، لتمكينه من تخصيص أوقات أخرى للمطالعة والقراءة وتجديد معارفه العلمية والبيداغوجية(التربوية)، وطرق التدريس، وقد يساعد ذلك على فتح مناصب عمل للبطالين.
3/ تقليص تعداد الأفواج التربوية لتكليف كل تلميذ بقراءة كتاب دوريا ثم محاسبته على تلخيصه.
وهذه الطريقة لها نفع كبير للتلميذ كي ندربه على الاحتكاك بالمصادر العلمية، ومنها الكتاب، وللأستاذ بالاطلاع على التلخيص، لعله يستفيد منها.
4/ إشاعة التباهي العمدي بالقراءة أمام الناس لبسط فكرتها وروحها، والقضاء على الفتور والجمود العلمي والثقافي، فقد تعلمنا من السنة إحياء نشرها بأدائها على مرأى الناس.
5/ وضع كتب قرب محطات النقل تشجيعا على القراءة، ولو بمراقبتها أمنيا، كخطوة أولية.
6/ تخصيص محلات تقدم فيها إكراميات كمشروب الشاي مقابل القراءة، وهذه فكرة أقدمت عليها السلطة المصرية في عهد حسني مبارك، بعدما لاحظت نقصا مريبا في القراءة.
بذا يمكن التطلع إلى نماذج ناجحة جدا في التكون والتكوين، تشبه إلى حد ما البحث العلمي قد تشع العلمَ والمعرفةَ على كامل طبقات المجتمع، حين يفقد فيه الفرد مكانته بدون علم.
وما ذلك على الله بعزيز، لو توفرت الإرادة الصادقة.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم