وأد الفتنة قبل التلاوم

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالمًا أومظلومًا، فقال رجل: يارسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أوتمنعه من الظلم فإن ذلك نصره،
رواه البخاري.

قد ينغص الفرد حياة غيره لضرر اشتبه وقوعه عليه، فيتوسل إلى فتنة جماعية، باستغلال الحمية.
إن النصح إمساك يديْ الظالم ولو جماعيا، ورسميا، وتسكين المظلوم لسد ذريعة التلاوم.
ولا يكفي مجرد تأسف غير رادع، من صفوة لم يمنع زجرها المشطط.
لولا امتصاص الغضب بالتلاوم على التلميح المملوءة بالمطبات اللغوية والنحوية، المحرض على الأساتذة والأطباء في مؤسساتهم لوقع محظور كان سيئه عند ربك مكروها.
لأن الله تعالى قال: لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا 148 سورة النساء.
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عمر رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
إن صاحب الرسالة الخالدة استبق فتح جبهات ضد المسلمين هم في غنى عنها قبل التفكير فيها.
وما نصوص العقوبات في القرآن إلا استباق الجرائم قبل وقوعها.
قال تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(10) سورة الحجرات.
إن المبادرة إلى نصح الظالم مُذْهِبٌ للتلاوم، وعتابٌ وسيط.
ورد في مسند الإمام أحمد رحمه الله أن المغيرة بن شعبة الثقفي، لم يَدَع فرصة للسوء قبل وقوعه، حين امتدت يدُ عَمِّهِ عروة بن مسعود الثقفي إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألا تعود إليك.
مع إمكان استدراجه لقطعها، والمآل فتنة حربية، أومشاحنة أسرية على الأقل.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم طائفة الموجودين في المريسيع بالمسير قتلا للتلاوم في المهد.
كثير من العوام يستصحبون صغر الأطفال فيزيدون نار الشجار بينهم اشتعالا، عوض حسم مادة تلاوم الآباء قبل نشوب حربها بينهم بسبب سلوك صبياني طائش.
فهل كتب علينا انتظار وقوع الفأس على الرأس حتى ننتبه إلى الفتنة، ثم نبادر إلى فك الخصام بعد فوات الوقت؟
إن كبح المظلوم الحليم، إيهام الصواب للمشاكس بالسكوت عنه؟
الدعوة إلى الشورى في القرآن، وتنفيذها من النبي صلى الله عليه وسلم، قطعُ لومِ الحاكم على الانفراد بالرأي قبل الوقوع.
فلو استشير أهل العلم والحلم لم يقع الطيش.
ولو عاتب الأقرانُ البادئ، لم يستنهض المظلوم همته للذب عن نفسه.
أصبح كل جاهل سفيه، يمطر الأستاذ بوابل من التطاول، وهو لم يتسلق مرتقاه سهرا، ونصبا، وسفرا، وخفضَ جناح الذل من الطلب مع حرمة معلميه.
يعجبني في هذا المقام شيخنا وأستاذنا وإمام مسجدنا الذي لا يتوانى دبر كل خطبة عن الدعاء لكل من لهم فضل علينا ومنهم الأساتذة.
الأستاذ ليس مَلَكًا منزهًا عن زلات البشر، لكنَّ صدَّه وتكميمه جرم في حق تلاميذه، فماذا يبقى لهم من احترام وإكبار ونهل من علمه بعد إرغام أنفه في وحل التهم والشبه؟
وإذا كان ولابد فلُيدفع إلى ذلك أقرانُه الأعلم والأخبر منه، وبأدب غير مزهد فيه عند طلبته.
فإنه معالج النفوس والأرواح كمعالج الأبدان والأسقام، فأين يداوي العليل إذا انتقصنا من قيمتيهما؟
نعم لو عددنا أخطاء الأساتذة لانطلت عليهم طبيعتها الإنسانية، لكن شتان بين عتاب قرينه، واستعلاء مخالفه.
لقد ورثنا من قومنا السكوت على الخطأ واستصغاره، وعتاب المنافح إذا وقع التدافع، بشبهة تكبيره.
أضف إليه إهمال السلطة تعفن الوضع.
لا يفسر هذا الغض إلا بالوقوع في فخ إهانة العلم وأهله وكالة، بينما يقدسه غيرنا، لإجلالهم مصدر الحضارة الذي لا يهان.
فالمنبر ليس ربوةً أوسفحَ جبلٍ لتفجير كلِّ سوء، إنما هو حضن الجمع والتلاحم، لأن معتليه نائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لو كان الصراخ في مسفلة، لهان، لكنه اعتداء بها من علٍ.
لذلك لا مناص من تشريعٍ يحمي كل هيئة، ويفرض حرمتها، مع إباحة النصح المؤدب، والرجاء اللين، لذا وجب على السلطة تشريع ما يحمي مناهل العلم، ولو بضبط التعليم ومنصبه.
بذا نفرض واجب احترام متبادل وأخوة ملزمة ينتهي بها التراشق، والتلاوم.
رحم الله الإمام الشهيد حسن البنا القائل في وصيته الثامنة:"تجنب غيبة الأشخاص و تجريح الهيئات ولا تتكلم إلا بالخير".
أحسب مقالتي تأصيلا لسد الذريعة إلى قابل سيء محتمل.
والله نسأل أن يبصرنا، ويفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم