الإمام الرويبضة

عن أبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة))، قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ .. قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».
رواه الإمام أحمد وابن ماجة وغيرهما.

قال الشاعر:
خنافسُ الأرض تجـري في أعِنَّتِها   * * * وسـابحُ الخيل مربوطٌ إلى الوتـدِ
وأكرمُ الأُسْدِ محبـوسٌ ومُضطهدٌ     * * *  وأحقرُ الدودِ يسعى غير مضطهـدِ
وأتفهُ الناس يقضي في مصالحهمْ      * * *  حكمَ الرويبضـةِ المذكورِ في السنَدِ
فكم شجاعٍ أضـاع الناسُ هيبتَهُ      * * *  وكمْ جبانٍ مُهـابٍ هيبـةَ الأسَدِ
وكم فصيحٍ أمات الجهلُ حُجَّتَهُ      * * *  وكم صفيقٍ لهُ الأسـماعُ في رَغَدِ
وكم كريمٍ غدا في غير موضعـهِ        * * *  وكم وضيعٍ غدا في أرفعِ الجُــدَد
در الزمان على الإنسان و انقلبت* * *  كل الموازين و اختلت بمستند
هذا حال النكرة الذي ارتقى درجات ينفث منها لغو سفهه غير حيي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبتلعا من لظى جهنم وهو يفتئت على أهل العلم، وبخاصة أساتذة التعليم، راميا نحوهم سيل العرم من البهتان والتشنيع والكذب في خطبة الجمعة على حاضرين هان عليهم من درسوهم وأولادَهم، أن يينكر عليه منهم رجل رشيد يصد فمه عن رغاء في أعراض الأساتذة.
لم أفهم كيف نسي هذا المشهر بنفسه عن طريق البروز على حساب ذوي علم، أن عليه منهم فضلَ اعتلاء ذلك المكان المقدس؟
كان بإمكان كل واحد منهم أن يحطم حياته الدراسية بمجرد خطأ علمي، أوعقاب تأديبي، أوطرد، أوتضييق على تحصيله، وغير ذلك كثير من طرق تكسير الوتيرة العلمية الدراسية، لكن الأساتذة نأوا عن تعمد الحسد في العلم، ليأتي متشدقا بصراخ غرَّه له ملتقط ومكبر الصوت، ناسيا قوله تعالى (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [19]) سورة لقمان.
مصدقا للأسف كل الأخبار التي ساقها عن أسياده الأساتذة لأنه يَبْلَهُ كنه قوله تعالى [لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)] سورة النور، فجرته حماقته للغرق في بحر الدناءة والقذف والكذب.
نسي وهو على معتلى حبيب الخلق صلى الله عليه وسلم أخلاق صحبه الغر الميامين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين في تقديس أهل العلم، لكن لا غرو، فقد يفجر منه ما يدل على ما بينه وبينهم من بون خلق ودين وعلم.
يملأ المسجد دون حرمة بهراء مع سكوت المصلين قبالته عن المنافحة عمن كانوا ولا يزالون منيري دروبهم.
لا حيرة لأن أمثاله ــ إلا من رحم الله ــ أوهموا كثيرا من العوام برداء القداسة السخيفة ليهابوا الرد عليهم، ولو أعملوا عقولهم بأبسط مقارنة بينه وبين الأساتذة الأفاضل لباء بسب وشتم قادح في مروءته.
لماذا لم يحاول التقصي والتثبت ــ وهو يتلبس بالإمامة ــ حول الوضع الميداني في مؤسسات يرتادها أولادنا التلاميذ، وزملاؤنا المؤطرون من الحاجب إلى المدير؟
أم أنه لا يحفظ قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) سورة الحجرات.
وسيعلمه السادة الأشاوس كيف يلعق مُرَّ الندم.
لماذا يحث الأستاذ على التضحية، وهو لا يضحي أيام الأسبوع بدروس دائمة يعلم الناس مسائل دينهم؟
أتحداه بالشموخ في الشوارع، والأزقة، والساحات، والأسواق، والدكاكين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو بالكلمة الطيبة.
أتحداه إن كان يتجول بين الباعة يعلمهم شرع الله في البيع والشراء، كما كان يفعل حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
عفوا طرحت السؤال لأنني نسيت قلة بضاعته التي لا تسعفه لضبط تعلمات، إلا خطبا صاخبة ضد أسياد له تلقوها علما في الجامعة والمعاهد.
لماذا يندلس وراء المسجد بعيدا عن زحمة الناس عكس اكتضاض المؤسسات بأروقتها الضيقة التي لا يسلم أحد فيها من تبادل الرذاذ والعدوى؟
لماذا يحسد الأساتذة على مرتب متوسط لم ينالوه إلا بجهد نضال ليست له شجاعة الجرأة عليه أبدا؟
أم إنه يظننا غافلين عن موارد كثير من الأئمة خارج مرتب المنصب ــ حاشا الأفاضل ــ الذين لا يساوي شسوع نعالهم؟
لماذا يتباهم، وهو المبهم، المرتبات العليا بغير حق، ولم ينتبه إلا إلى الأستاذ؟
لماذا لم يجهر هذا الرويبضة بما يراه من فسوق ومحاربة دين الله، وخمور، وعري النساء والشباب، والتخايل بالسجائر عند كل مكان وقرب المساجد، والإعراض عن تحكيم شرع الله وهو يخطب نيابة عنه؟
لماذا لم يجهر بما يحاك للأمة محليا وإقليميا ودوليا؟ ولم يهدر صوته بالدعوة إلى العدل، والمساواة في الحكم والسياسة؟
أم إنها العلمانية باسم الدين التي أوهِمَها من قبل مروجي لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين؟ إلا العلم فلم يتركه لأهله؟
أم إنه سدد عينه نحو الأستاذ المطالب بتحسين ظروف تمدرس أولاده التلاميذ في ظلمة هذا الوباء الهالع، وأعماها عن بعض الأئمة الذين يمارسون كل طقوس الشعوذة بشبهة الرقية، والشركيات المستغفلة للعوام، والتمكين للقبوريات، لابتزازهم في أموالهم غير مفرقين بين أغنيائهم وفقرائهم؟
لا أملك إلا أن أنصحه بالحياء، والحشمة، والخجل تجاه أسياده.
أدعوه إلى التوبة إلى الله مما قد يقتص منه أهل العلم البررة يوم يختصم الناس عند رب العالمين، قال تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ31) سورة الزمر.
وإلا فليتبوأ مقعد قولنا لربنا: عليه من الله ما يستحق، وحسبنا الله ونعم الوكيل عليه.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم