الأستاذ بين أخاديد الألسن

 قال الله تعالى [إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)] سورة الممتحنة.

وروى الإمام مالك في الموطأ، والنسائي في السنن، أن أبابكر الصديق رضي الله عنه أخذ بطرف لسانه، وقال: (هذا الذي أوردني الموارد). أي المهالك.

وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم "رواه البخاري ومسلم.

وجاء في البيان والتبيان للجاحظ قولهم: اللسان سبع عقور.

يتعاظم البعض بالميكروفون ووصلات الصوت إلى المستمعين، كما يغرُّ الجمهورُ الحاضرُ بعضَ الخطباء، فيحصل لهم إسهال كلامي يخرج من لسان يتمدد كالنوابض المرنة، إذا أرختها اليد أصابت فأغشت، أوكالنشاب إذا سرح خرج منه الحجر فأدمى.

هذا حال الأساتذة حين تلعقهم الأخاديد الخشنة للألسن، التي تتذوق إهانة الغير، وتلتذ بجروح اللحوم التي تلقمها.

البعض يتطبعون مع الأستاذ ببشاشة سارة في فترة تدريسه أولادهم، فإذا تخرجوا عادوا إلى فضاضتهم الطبعية.

إن اللؤم يقذر سجية من يصهره الأستاذ، ويسر بتخرجه من الجامعة ونيله أسمى المناصب والمراتب، فتغره لينقلب عليه، ويهرء عليه دون تقدير مقامه.

يبيت محضرا دروس الأولاد، ومصححا فروضهم، وامتحاناتهم، ليعيد الكرة كل ليلة، دون كلل، وكل مبتغاه نجاح يزيل شعور النصب، ثم يتبرز على كرامته من ليس له كابح لسان.

أين هذا الأستاذ الذي يرتاد المقاهي وهي مغلقة، أومجرد هيكل دون كراسي ولا طاولات استثناءً؟

أين هو التدافع في المقاهي وهي فارغة بقرار حكومي وقائي؟

إن سلمنا ذلك جدلا، فما سبب إصابات الأستاذات وهن لا يرتدنَ المقاهي؟

وهل الأستاذة التي رأيتُها تخرج من حجرة التدريس هلعةً لوجود حالة احتكاك بتلميذ مصاب، كانت في المقهى؟

وهل التلميذة التي كثر سعالها حتى أرسلتها إلى طبيبة المؤسسة، وحالتها إيجابية خرجت من المقهى؟

هذا التبرير الواهي تهربا من دراسة عميقة دقيقة لأحوال التعليم مع الوباء، دليل صحة ما ذهبتُ إليه في مقالي المنشور يوم الأربعاء 18 نوفمبر 2020 على الساعة الثانية عشرة وتسع دقائق.

أين وسائل ضمان تنفيذ التدابير الصحية الصارمة في المؤسسات باستثناء قليل من قارورات التعقيم، ووسائل قياس الحرارة؟

إنه مجرد تبرير الإبقاء على فتح المؤسسات وإيوائها أولاد الضجرين منهم في البيوت على حساب الأستاذ، وأبنائنا التلاميذ، والطلبة، وفي العربية ولله الحمد ثراء يغنينا عن جرح المشاعر.

والله تعالى يقول [لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ، وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)] سورة النساء.

لست هنا لتزكية الأستاذ إلى درجة الملائكية، لكن من لا يقدر شأن العلم، يسلك هذه السبل، فيقضي على مصداقيته، فلا يبقى شيء للعلم وطلبه وتعليمه حين تضرب الثقة في مصدره، إلا إذا كان احتقارُ راتبه أهانَ قيمتَه.

إيييييه على زمان كان من كبار الصحابة الأبرار رضي الله عنهم، وسادة العالم يوقرون شيوخهم ومعلميهم!!

وعلى رأسهم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم!!

إن فترة غياب الرئيس حرجة، فلا داعي لصب الزيت على النار، ولا مندوحة إلى إثارة المجتمع التعليمي للإضراب أوالاحتجاج في هذا الظرف الاستثنائي العصيب.

مهما حاولتم دفعنا، فلن نكون ظهورا تركب، ولا ضُروعا تحلب، لأن أناملنا على زناد كلماتنا وجاهة صدور مهيني منبع العلم، كي نلزمها الاعتذار بين أيدي الأساتذة الكرام، عوض الاستجابة للاستفزاز.

قال تعالى [وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(227)] سورة الشعراء.

اشتغلوا بأنفسكم، ومهامكم، وردوا على تصريحات ماكرون الخبيثة العنصرية الحاقدة المتدخلة، عوض التخفي عنها بالأستاذ، والتطاول عليه.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم