الاختبار الفرنسي

عهدنا تنظيم الاختبارات الكتابية والشفهية بضبط مواعيدها، لمراجعة الدروس، وترقب احتمالات الأسئلة والإجابات عليها، ليستعد المجتهد، فترقى به النتائج إلى معالي الرتب، ويتهاون الكسول، فترميه خارج ميدان المؤهلين.
الاختبار العلمي متيقن الوقوع منذ الدخول المدرسي والجامعي، أما الاختبار الديني والاجتماعي والسياسي والثقافي وحتى الاقتصادي فلا يُضربُ له موعدٌ في الغالب، يحل فجأة، كالحملة التفتيشية، لتمييز الثابتين الراسخين، من المضطربين المتقلبين، بما في ذلك ابتلاء الله لعباده.
وفي خضم الهوان العام، نرى دولة إرهابية خبيثة كفرنسا، في تقديري، تختبر الشعوب، والسلط، عن قصد أوغيره، وتقيس درجة المكانة، وتقوم الموقع، وتمتحن قوة التأثير، بإهانة مقدساتنا وكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم، من مكنون رئيسها المخنث الحقير.
وكأني بها تبحث عما يلي:
1/ من يهابها، ممن يحبها، ممن يكرهها، ودرجة منعتها، وطرق تصدي المبغضين، وحدود أفق الموالين.
2/ قيمتها الحقيقية بعيدا عن المبالغة، والتمويه، والتقرير المغلوط، والانطباع المجامل، كما يحدث عندنا، لتجعلها ميزان تحركها الجيوسياسي، ومنه الأنظمة في مختلف دول العالم الإسلامي وشعوبه.
3/ مقارنة مواقع تأثيرها الاقتصادي، وتأمينه، وقوته، ونمائه، وموارده، ومصادره، ومواقع ضعفه وأسبابه.
4/ وخز الآخرين، لتمحيص التغلغل الثقافي وغزوه، والأرضيات الإيديولوجية الخصبة له، والصلبة المتصدية، الحصينة منه.
5/ مدى التزام مستعمراتها السابقة، بالعقود والعهود والمواثيق المعقودة، أوتلاشيه،، للضغط على من يُضْعِفُ التورط شوكته، أويكسر حاجز الخوف ويحضر للانعتاق.
6/ مدى تماسك الأنظمة مع شعوبها. (أشار إلى هذا الأستاذ الدكتور فاتح ربيعي).
7/ اختبار البعد العقدي لمسلميها، لأنها أرض ينتشر فيها الإسلام كسائر الدول الأوربية، أوأكثر، بشكل مستمر.
8/ مواقف مثقفيها، وتأثيرها وضغطها على السلطة، بسبب تحفظات التخوف من مستقبل الصراع في كل مجالاته.
كل ما سبق، يحلل بخرجات قد توصف بالهفوات، أوالمفاجآت، أوالسقطات،أحيانا، ما أستبعده في تقديري تماما، لأن تصريح أعلى مسؤول في الدولة لابد أن يكون محسوبا بدقة، فهو ليس مجرد كلمات تخرج من شدقيْ أحد عوامها.
والدليل هو الموقف السلبي للمؤسسات الرسمية، إلا بعض الرماد لتخفيف حدة الردود حفاظا على المصالح.
رغم أن فرنسا عبد غبي، ينوب عن أغلب بلدان أوربا، ويعري صدره، فتأتي الضربة قبالته.
مع العلم أن المؤسسات الاستراتيجية المخابراتية قد تستفيد من الظاهرة في دراساتها المستقبلية.
وفي رأيي لقد نجحت في تنظيم اختبارها لنفسها وللشعوب وأنظمتها، من حيث:
1/ من يمكن وضعه في خانة التلميذ الوفي.
2/ من يدرج في خانة الصديق.
3/ من تخشى عداوته اللدودة وصولته الممدودة.
وإن كانت قد نجحت إلى حد ما، فكذلك الشعوب وحكامها، من حيث:
1/ الفائز من صَدَّ العدوان بكل بسالة، ودافع عن مقدساتنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ودينه، بالقول والعمل،، بالبيان، والمقاطعة الاقتصادية كأهون السبل، وأفضل الموجود، وتهديد العلاقات، كأقوى الهزات، مثل تركيا، وماليزيا، وبدرجة أقل المغرب.
2/ الراسب من هانت عليه المقدسات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه، بالسكوت، والخضوع لمختلف الحسابات والاعتبارات السياسية والديبلوماسية عند الحكومات، وبالتالي توفير صورة جاهزة عن الضعف المعنوي والنفسي المانح مزيدا من الضغط والابتزاز والتركيع بمختلف الوسائل والأساليب، رغم استنكار شعوبها الأبية، مثل الإمارات المتعاملة معها ضد المقاطعة الاقتصادية، وسائر الحكومات التي التزمت الصمت لحد الآن.
ويبدو لي ظاهريا التقييم الصحيح للنقاط الثماني المذكورة أعلاه، كالتالي:
1/ عند الشعوب:
أ/ الأبية: للاطلاع على مزيد بواطن الحكام، ودرجات التغيير المنشودة في مختلف البلدان، والنيات المحمولة لها، وتلبية تطلعاتها المشروعة، وآمالها في التحرر من التبعية والذل.
ب/ الموالية: كالعلمانيين العملاء لها عندنا، المرتبطين بها فكريا، لاختبار شدة الشعوب المسلمة على دينها، وتحيين عمل نخبهم في التأثير الاجتماعي.
2/ عند السلطات الفرنسية:
للوصول إلى كنه الواقع المعنوي والنفسي ونتائجه المختلفة لحكام الدول الموالية، وغيرها، والنظر إلى بسط الطريق الذي تسير عليه، وهل من ضرورة لإعادة التقدير، أم للاستمرار الآمن؟
والمواقف المختلفة لحكامنا صورة ناصعة لما أدعيه.
هذه هي الزوايا التي ينطلق منها من أراد فهم عمق الصراع والتمكين، بدقة بصر، وبصيرة، وكيف يساق؟

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم