تداعيات تخفيض معدل البكالوريا

كنت أنتظر نتائج امتحان شهادة البكالوريا من ترقب نسبة مقبولة، نظرا لطول مدة المراجعة، إلى خشية نسبة ضئيلة، لتأثير الوباء على تواصل التلاميذ مع دروس ثلثي الموسم الدراسي.
انتظرت مثل جميع الناس أن يتحكم معدل الــ 10 من 20 في تحصيل الشهادة، فإذا بنا نتفاجأ بتخفيضه إلى معدل الـ 09 من 20، من بين مسرور، ومتحفظ، ومتذمر.
كلما التقيت مقبلا على الامتحان إلا قلت له (من لم ينجح هذه السنة فليس أهلا للدراسة والعلم).
لا أريد تناول الموضوع بإهانة أولي الأمر، ولا الاستهتار بهم، ولا السخرية منهم، كما يرد في الشارع، وبعض الحسابات والصفحات من هول الكارثة، إنما أريد تناوله بشيء من النقاش التحليلي.
فكل شيء يقبل التهوين والتيسير والترخيص إلا العلم، فإنه يؤخذ غلابا بالجهد المضني.
الأمم التي تحترم نفسها، وتنظر إلى غدها بإشراق، تعذر الناس بسبب نوائب الدهر العسيرة، لكنها لا تعذر في العلم، لأنه قوامها.
قرأت الكثير من الفقه، ومن الأصول، ومن الحديث، ومن مجالات في العلم، فوجدت تيسير الإسلام على العابدين في كل التكاليف، مراعاة للقدرة البدنية والمعنوية عند الفرد، لكنه لم يترخص في شيء من العلم، ولا في سبل نيله من مظانه، ولا في طرق بذل الوسع في الوصول إليه، ولا غض الطرف عن التقصير، بل أخذ مريديه بالعزيمة حتى اعتبر الحديث النبوي سلوك طلب العلم جهادا، والموت في سبيله بأجر الشهادة، حتى قيل فيه إن العلم لن يعطيك بعضه إن لم تعطه كلك.
رأيت المخلصين الصادقين مع قيمة العلم يتساءلون:
ما هذه النظرة القاصرة إلى العلم عند السلطة؟
ما سبب تخفيض معدل الحصول على شهادة عالمية كالبكالوريا؟
ما غرضه؟
ما قيمة التحذير من الغش وهو حاصل واقعا؟
هل استشارت السلطة أهل الخبرة والاختصاص، أم كان القرار أحاديا؟
لا أرى شيئا ألجأ السلطة إلى هذا القرار، لا مظاهرات ومطالبات بذلك، ولا وقع ضغط اجتماعي، بل كل المترشحين وأوليائهم كانوا ينتظرون المعدل العادي.
كل ما تحضره السلطة من حجج أراه واهيا:
1/ الاحتجاج بالوباء، عذر أقبح من ذنب، لأنه كان سببا في تحصن التلاميذ بالبيوت، والاعتكاف على الحفظ، والمراجعة، والتدريب، والتمرين، مدة ستة أشهر كاملة، حتى كنت أقول لكل تلميذ ألتقيه (من لم ينجح هذه السنة، فلا داعي إلى الانتساب للعلم)، الوباء ليس عذرا بل دافع إلى النجاح، إلا عند قلة، وهؤلاء نسعفهم بمنحهم إعادة السنة الدراسية.
2/ التستر وراء كثافة الدروس، مغالطة، لأن الأسئلة احتوت تعلمات فصلين فقط، وكثير منها ركز على الفصل الأول.
3/ إضمار علة تدني نسب النجاح في بعض الولايات التي كانت رائدة في دورات خلت، إهانة لصفوة الناجحين فيها هذه السنة.
4/ الاختباء وراء التضامن النفسي مع المترشحين، تربية مفسدة لهم، فأسيادنا وأسلافنا، لم يربت على أكتافهم أحد لأجل العلم.
إن نتائج تخفيض معدل النجاح أراها:
1/ إهانة للعلم وقيمته،، كل المثقفين يعلمون قصة اجتماع ونستون تشرشل بحكومته في قبو أثناء الحرب العالمية الثانية، فكان أول المعرضين للمحاسبة وزير التعليم، لتقييم وضعه مع أوزار الحرب، فكان الرد الإيجابي مطمئنا للوزير الأول، لأن عملية التدريس متواصلة في الأقبية، فقال قولته المشهورة (سننتصر).
2/ احتقار جهد الأستاذ، إذ سيؤول بالتلميذ إلى تحديه بعدما كان يضبطه لمصلحته:(لقد نجحت بدون مزية منك).
3/ دفع الأستاذ مستقبلا إلى التهاون في التدريس، لأن النجاح مضمون، والنتائج محسومة، تماما كإحباط الناخبين عندما كانت نتائج الانتخابات محسومة، رسَّبَ فكرةَ المقاطعة عند الكثير، إلا من رفع معنويات نفسه، ومزق غطاء الضغط، وقشَّع ضباب ظلم العلم، وأراد غرس قيمته في ذهن تلاميذه.
4/ إرباكا لمعنويات الإطار التعليمي، وبالأخص الأستاذ، فكيف سينظر إلى الواقع، وبذل الجهد، وقيمة العمل، وقيمة العلم، وكل القيم والمثل التي يغرسها في أخلاد تلاميذه، وإلى مفارقات التلاميذ، وتمايزهم، ومستويات نتائجهم، وغير ذلك، وهو يجد كل هذا مضروبا به عرض الحائط في آخر السنة، بهدايا إلى العامل والقاعد، إلى المنضبط والمشاكس، إلى المهتم والمستهتر،،، إلى،،، إلى،،، إلى،،،؟
5/ توهينا لعملية حراسة الامتحان في قابل الأعوام، إذ كيف سيحرص الأستاذ على الحراسة الصادقة لمجرياته وهو يعلم أوعلى الأقل يظن أن كل من في القاعة سينجحون بلا فضل منه ولا منة؟
بل ليس له من العملية إلا النصب، وسوء العلاقة مع الغشاشين.
6/ تأثيرا على معنويات مصححي إجابات الامتحان، وانضباطهم، فكيف سيتصرف المصحح مستقبلا، وهو يغلب على ظنه إهمال تقويمه؟
7/ تعريض التعليم لفتنة جديدة مثل الواقعة منذ سنة 2008، بالرضوخ لمطالبات التلاميذ بالإبقاء على معدل الــ 09 من 20 كحق للكل لا امتيازا لهذه السنة فقط.
8/ كثرة مشاكسات التلاميذ داخل حجرات الدراسة، لأن النجاح مضمون بأقل الجهد، وبالتالي ضعف التحصيل، ونتائج الفصول الدراسية.
9/ إهانة للشهادة الجامعية مستقبلا، فكيف سينظر المجتمع إلى متخرج في منصب عالي حاز على الباك بمعدل منخفض؟
10/ تعريض الناجحين بهذا المعدل إلى الفشل في الجامعة كلٌ حسب شعبة توجيهه، وحينئذ سيلعن السلطة التي لم تمنحه إعادة السنة عوض التغرير بهذا الفخ.
11/ تعريضهم لتيهان التوجيه بحكم أن الشعب القوية لا تقبل مثلهم.
12/ إحداثَ فتنة بين الناجحين به، وغيرهم بمعدلات مقبولة وجيدة، وتأثير نفسي سيء على الأقوياء الباذلين أقصى وسعهم، إذا شعروا أن الامتحان ساوى بين الجميع.
13/ إهانة لأمة بأكملها، إذ كيف تبنى بمن هذا مستواه؟
إني أهيب بالسلطة أن تعيد النظر في الأمر، لأن موعد إعلان النتائج لم يحن، ولها كل الوقت لمراجعة تأثيراته على مستقبل بلاد بكاملها، والعودة إلى ترشيد قيمة العلم، فإن التحديات العلمية والعالمية والدولية ليست بالهينة، أوعلى الأقل إن لم توفق في الأوبة إلى العمل الصحيح، فإني أدعوها إلى إعادة هيبة التعليم بتجنب تكرار هذا التقييم في العام المقبل بحول الله، والله على ما أقول شهيد، وإن غدا لناظره لقريب، ولا ينبؤك مثل خبير.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم