المواطن بين السلطة والوسيط.

نشرت مقالا في هذا الموقع  تحت عنوان
"الدعاء بين غفلة الأمة وتفويض الأئمة"، بتاريخ الإثنين 24 أفريل 2017م دعوت فيه إلى ترك التوسط بالأئمة عند الله تعالى بعد الصدقات والهبات للمساجد، لأن الله تعالى يسمع ويرى ويتقبل.
وما أوقع المشركين واليهود والنصارى في التوسط بالأوثان والأحبار والرهبان، إلا اعتقاد أن الله محجوب عنهم، ولا يمكن أن يراه إلا المعبودون، وهو من الشرك العظيم.
ولأن الوسيط لن يجهد نفسه في التضرع والإلحاح على الله نيابة عن العبد.
الشيء نفسه ينطبق على الحكام، الذين لا يجوز لهم أبدا أن ينحجبوا عن شعوبهم، لأنهم إنما انتخبوهم لقضاء مآربهم، وفوضوهم لخدمتهم، والسماع لانشغالاتهم، لا اتخاذ الوسطاء ينقلون إليهم مطالب رعاياهم.
إن منصب وسيط الجمهورية الذي بدوره سينصب مندوبين عنه في المناطق المحلية، مكرس لهذا القبيل.
إن مفاصل السلطة من الهرم إلى القاعدة كافية عن هذا الإجراء، لأن مناصب الرئاسة وفروعها الكثيرة، والحكومة ووزاراتها، والولايات ومصالحها، والدوائر وإداراتها، والبلديات ومكاتبها، تغطي عنه، لئلا يثقل كاهل الدولة بمزيد من تبذير المال العام بوسطاء يتخذون لأنفسهم كتابا، ورؤساء دواوين، ومرافقين، وحراسا، وغير ذلك بما ينهار به الاقتصاد الذي نبحث عن إنعاشه، ثم نضيعه مثل الحصاد الذي تذروه الرياح.
في حين ينتظر الفقراء والمساكين والمحتاجون حقهم منه.
والمتخرجون من الجامعات، ومراكز التكوين، يتحينون فرصة التوظيف.
والمستشفيات تأمل التجهيز بالجديد خاصة للوقوف في وجه الوباء.
وقس عليه كل موقع يريد فرصته العادلة من الثروة الوطنية.
إن هؤلاء الوسطاء قد يخلصون في المهمة،، لكن لا أظنهم سيمثلون الناس بجدية أكثر عند السلطة، ولا أظنهم يتضرعون ويلحون كما يتفنن المحتاج ليحصل على ضالته في أقرب وقت، أويداوي مريضه، أويسجل تلميذه، أوغيرها من مناحي الحياة المتشعبة.
وإذ أتساءل عن دواعي هذا الإجراء، والولاة، ورؤساء الدوائر، موجودون إلا بمزيد من تذرع المسؤول بكثرة الانشغالات الإدارية، لكنها باطلة، لوجود الكثير من الموظفين في مختلف مكاتبه ومصالحه،، ولا أراه إلا منحهم راحة إضافية، وإعفاء لهم من دور خدمة المواطن،، والتراجع عن مبدأ تقريب الإدارة منه.
ولماذا يعينون بدل أن ينتخبوا؟
وهل تعرف السلطة المركزية المندوبين المحليين للوساطة كما يعرفهم سكان تلك المناطق؟
وإذا قلنا بانتخابهم، فما موقع نواب البرلمان، ومنتخبي المجالس الولائية، والمجالس البلدية؟
وإلا فيحسن اعتبارهم ممثلي السلطة لدى الشعب وليس العكس.
ألم يُدْعَ الشعبُ في كل مرة إلى انتخاب نواب يلون شأنه ويحققون مآربه؟ على المستوى الوطني والولائي والبلدي؟
ألم يكن من الأفضل سن قانون انتخابي صارم، ثم دعوته إلى انتخابات تشريعية وولائية وبلدية شفافة نزيهة حرة، ليقرر تنصيب وكلاء جدد نظيفي الأيدي؟
أليس هذا الاتجاه إلغاء لحق الشعب وحريته في تعيين ممثليه؟
هل من يوصله الشعب إلى مراكز التفويض أفضل، أم من يوضع على رأسه ولو بحجة الوساطة؟
وهل تعتبر هذه الهيئة مجلسا استشاريا أوشوريا آخر؟
إذا كان بــ "بلى" فهو التفاف على المجالس القانونية المنتخبة دستوريا.
أليس هذا السلوك اعترافا بفشل المسؤولين في معالجة المصالح المختلفة؟
إذا كانت الإجابة بــ "بلى"، فلمَ لا يتم استبدالهم وحفظ المال عوض إضافة وسطاء؟
أم أنه اعتراف بانتماء المسؤولين المحليين إلى منظومة بيروقراطية عميقة؟
إذا كانت الإجابة بــ "بلى"، فلمَ لا يستبدلون برجال وطنيين ولاؤهم للجزائر لا لغيرها؟
نصيحتي الأخوية الصادقة للسلطة القائمة هي إلغاء هذا الإجراء، حفاظا على حسن صلة السلطة في مختلف مواقعها بالشعب،، وجلب وتحقيق الثقة بها، عوض الاحتجاب وتوكيل غيرها عنها.
ولا عيب في التراجع عما نقطع بضرره، لأنه من شيم أخلاق الرجال.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم